نموذج تطبيقي لمنهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي هل يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة
نموذج تطبيقي لمنهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي
السؤال الفلسفي: هل يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة ؟
مرحبا اعزائي الزوار في موقع لمحة معرفة lmaerifas.، المتفوق والمتميز بمعلوماته الصحيحة من شتى المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والاخبارية يسرنا بزيارتكم في موقعنا لمحة معرفة أن نقدم لكم ما تبحثون عنه من المعلومات من مصدرها الصحيح وهي الإجابة على سؤالكم الذي يقول.......نموذج تطبيقي لمنهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي هل يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة
وتكون إجابتكم المطلوبة هي كالتالي
هل يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة ؟
انطلاقا من المفاهيم المشكلة للسؤال : )الرأي( - )الحقيقة( يظهر أنه يتأطر ضمن المجال الإشكالي العام لمجزوؤة المعرفة ، التي تعنى بالدراسة الفلسفية النقدية للفعالية الإنسانية الذهنية التي تدرك به الذات ذاتها أو موضوعات وظواهر العالم الخارجي ، وبالضبط ضمن المجال الإشكالي الخاص لمفهوم الحقيقة ، والتي تعتبر هدف كل بحث وتفكير في كل المجالات المعرفية : الدينية والفلسفية والعلمية ..ومطلب كل إنسان يريد أن يعيش حياة غير مزيفة أو خادعة و وهمية ، وشرط يقين العقل و إطمئنان القلب ، إذ يطرح للمعالجة إشكال علاقة الرأي بالحقيقة ، وقيمة الرأي في بناء المعرفة ، هذا الإشكال الذي اختلفت التصورات الفلسفية والعلمية في تحديده ، بين من يذهب إلى تأكيد تعارض الرأي مع الحقيقة والحكم عليه بالسلب ، وبين من يرى في الرأي قيمة إيجابية في بناء المعرفة وبلوغ الحقيقة .
فما الحقيقة وما الرأي ؟ وما الفرق بينهما ؟ و طبيعة العلاقة بينهما ؟ وهل للرأي قيمة إيجابية في بناء المعرفة بحيث يمكن الإنطلاق منه لبلوغ الحقيقة أم أن الرأي له قيمة سلبية يجب تجاوزه والتخلص منه باعتباره عائق معرفي يحول دون بلوغ الحقيقة ؟
قبل الإجابة على الإشكال والتساؤولات الفلسفية المطروحة أعلاه ، سنقوم أولا كخطوة منهجية بتحليل بنية السؤال المفاهيمية المفتاحية قصد استنباط الأطروحات المفترضة المفتوحة عليه ، فالسؤال يتضمن مفهوم :
-الرأي : وهو تصور و وجهة نظر شخصية واعتقاد ذاتي يحتمل الخطأ ، و يعوزه اليقين ، ومن خصائصه أنه متغير
-والحقيقة صفة للحكم/القضية الصادقة المتطابق مع الواقع أو المنسجم مع العقل ، وهي ما تمت البرهنة عليه تجريبيا أو عقليا ، ومن خصائصها أنها ثابتة ومثبتة ويقينية وموضوعية.
-إمكان الإنطلاق من : أي اعتماده أساسا للبناء ، من حيث أن له قيمة إيجابية .
- ثم هل : وهي أداة استفهام تخيرية تطالب منا إما التصديق على مضمون السؤال بالتأكيد بنعم يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة ، أو تكذيبه بالنفي بلا يمكن الإنطلاق من الرأي لبلوغ الحقيقة .
يظهر لنا من خلال تحليل البنية االمفاهمية للسؤال أنه مفتوح على جوابين مختلفين من داخل المجال الفلسفي والعلمي بخصوص قيمة الرأي في بناء المعرفة اليقينية والموضوعية ، يمثل أحدها الذي ينفي قيمة الرأي ويؤكد التعارض بين الحقيقة والرأي الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت والإبيستيمولوجي غاستون باشلار ، والأخر الذي يؤكد قيمة الرأي وإمكانية الإنطلاق منه لبلوغ الحقيقة يمثله الفيلسوف بليز باسكال ,
فالحقيقة حسب التصور السلبي للرأي ليست معطى جاهزا ، كما أنها ليست اعتقادات شخصية وذاتية بل هي بناء منهجي ومعرفة موضوعية وكونية تعتمد في تحصيلها وبلوغها على أدوات وإجراءات معرفية دقيقة وصارمة ، إما عقلية منطقية أو تجريبية نظرية ، وهو تصور يشك في كل المسلمات الجاهزة المتداولة والمنتشرة بين عموم الناس بالرغم من كونها مجهولة المصدر وغير مفكر في صدقها وصحتها..، ويستبعدها في الممارسة البنائية للحقيقة اليقينية والمعرفة الموضوعية ، كونها غالبا إن لم تكن دائما خاطئة ، يؤدي الإنطلاق منها في كثير من الأحيان إلى بناء وإستنتاج معارف وأفكار وأحكام ونظريات خاطئة ، كما هو الشأن مع أزمة المعرفة الحديثة التي كان الإنطلاق والتسليم برأي باطليموس حول مركزية الأرض ، سببا في انهيار صرح معرفة العصور الوسطى مع إثبات كاليلي لخطأ هذا الرأي ، وبالتالي سقوط كل النظريات المعرفية التي كانت نظرية باطليموس أساسها ومنطلقها النظري .
وما ينطبق على هذا المثال ، ينطبق على أراء كثيرة تدوولت بين الناس لفترة زمنية طويلة على أنها حقيقة لكن إخضاعها للنظر والفحص الدقيقين ، قد كشف عن زيفها وبطلانها مثل (رأي المرأة ناقصة عقل ) المنسوب لنبي الإسلام محمد ابن عبد الله ، والذي أخدته الأمة الإسلامية عبر تاريخها كحقيقة مقدسة ترتبت عنه مشاكل أخلاقية وحقوقية وثقافية في العلاقة التي حكمت الرجال بالنساء في المجتمع الإسلامي .لذا دعا العديد من الفلاسفة والعلماء إلى ضرورة التسلح بمناهج دقيقة وصارمة وعدم التسليم بأي فكرة أو رأي ولو كان منسوبا للرسل والأنبياء ما لم يتم إخضاعها للبرهنة والاستدلال.
وفي هذا الخصوص نجد الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت قد أكد منذ مطلع العصر الحديث أن تحصيل المعرفة اليقينية وبلوغ الحقيقة يكون منطلقها الأساس اليقينيات الصلبة التي لا تقبل الشك ولا تتعارض مع مبادئ العقل وقواعده المنطقية وليس الأراء والمسلمات الشائعة والمتداولة التي نتلاقاها منذ نعومة أظافرنا من مؤسسات المجتمع الثقافية والسياسية ، و التي لم تخضع بعد للفحص والتأكد من صدقها وصحتها، لأن العقل بطبيعته استنتاجي ، يبني أفكار جديدة على أساس الأفكار المسبقة التي يتلاقاها ، وكل ما بني على الخطأ والباطل فهو بالضرورة خاطئ وباطل ، وهو نفس الحكم السلبي حول الرأي الذي نجده حاضرا في تصور الإبيستيمولوجي المعاصر غاستون باشلار الذي أكد بدوره أن الحقيقة العلمية تتعارض مع الرأي ، على اعتبار منه أن الحقيقة العلمية تبنى بناء تجريبي موضوعي وليست اعتقاد وظن ورأي شخصي أو معرفة عامية ، لأن هذه الأخيرة حسبه دائما ما تنطوي على الخطأ والوهم مادامت ترتبط بالمنفعة والمصلحة الشخصية والسياسية ، كما تبين مع رأي باطليموس بخصوص مركزية الأرض الذي يتوافق مع المصلحة السياسية والإقتصادية لحكم الكنيسة ورجال الدين ، وهو رأي كذبه الواقع التجريبي الحديث مع كوبيرنيكوس وكاليلي ، ونفس الأمر مع رأي (المرأة ناقصة عقل) المنسوب لنبي الإسلام، و الذي يتوافق مع مصلحة المجتمع الإسلامي الذكوري الذي أراد به إخضاع المرأة لسلطة الرجل وتبعيته ، وهو الرأي الذي يكذبه واقع تميز المرأة عقليا بعد نيلها لحق المساواة في التعليم ، و تحصيلها لجوائز نوبل في مختلف المجالات المعرفية التي تستوجب ذكاء رياضيا وعلميا وفلسفيا و أدبيا رفيعا .
وتتمثل قيمة هذا التصور الذي ينفي قيمة الرأي في بناء المعرفة ، ويرفض الانطلاق منه لبناء الحقيقة في الثورة المعرفية الفلسفية والعلمية الحديثة والمعاصرة التي تحققت منذ اللحظة التي اعتمد فيه على مناهج صارمة ودقيقة في بناء المعرفة اليقينية ، وفي الكشف عن بطلان الكثير من الأراء وهشاشة الكثير من الأفكار التي عمرت مدة زمنية طويلة والتي تبين بعد الشك فيها و إمعان النظر فيها وإخضاعها للإختبار التجريبي أنها أخطاء فادحة ، لكن بالرغم مما لهذا التصور من قيمة فهو لا يخلو من حدود ، تتمثل في الحكم السلبي المطلق حول قيمة الرأي ، والحق أن العلم والعقل محدودان وعاجزان عن معرفة حقائق جميع الأمور والأشياء والقضايا الوجودية ، فليست هذه الأخيرة محدودة في القضايا العقلية والتجريبية ـ بل الواقع أن هناك قضايا أخرى تتجاوز حدود العلم التجريبي والعقل الرياضي ، كالقضايا الميتافيزيقية و الدينية و التاريخية والفنية الجمالية بل والطبيعية كذلك ...، والتي تطرح أسئلة وجودية مقلقة لا يجيب عنها العلم ، ما ينبغي ويجب أن يفسح المجال للأراء في التداول حولها ، كأجوبة ذاتية إطمئنانية مؤقتة إلى حين الحسم العلمي حولها ، مادام لا يوجد معيار موضوعي للحكم فيها ، هذه الحدود هي ما دفع بفيلسوف حديث هو بليز باسكال إلى نقد إطلاقية العقلانيين والتجريبيين في إقصائهما للرأي في بناء المعرفة ،فحسبه لا يمكن أن ننزع على الرأي كل قيمته ودوره في تأسيس الحقيقة ، فهو معين لها ومنطلق لبلوغها ، خاصة بخصوص القضايا التي لا يستوعبها العقل والعلم ، كالقضايا والأحكام العاطفية والروحية والذوقية التي يمكن إدراك حقيقتها بالقلب والحدس المباشر ، وكذلك الأمر بخصوص المعارف الطبيعية التي يكون منطلقها الرأي العلمي)الفرضيات العلمية( ، كما الشأن برأي كوبرينيقوس الذي افترض مركزية الشمس ودوران الأرض حولها اعتمادا على حدسه التجريبي ، والذي أتبث بعد العالم اللاحق عليه كاليلي صحة هذا الرأي باعتماد التجريب العلمي .
يظهر من خلال معطيات التحليل والمناقشة إشكال علاقة الرأي بالحقيقة ، وقيمة الرأي في بلوغ الحقيقة ، قد عرف تضارب واختلاف التصورات والمواقف الفلسفية والعلمية ، بين من يذهب إلى نفي قيمة الرأي الإيجابية كأساس لبناء المعرفة الموضوعية و كمنطلق لبلوغ الحقيقة كما رأينا مع كل من الفيلسوف ديكارت والإبيستيمولوجي باشلار ، وبين من يذهب إلى تأكيد قيمة الرأي الإيجابية وإمكانية الانطلاق منه لبلوغ الحقيقة في كل القضايا ، وبالأخص القضايا التي يعجز العقل والعلم عن إستعابها كما رأينا مع تصور الفيلسوف باسكال ...
ومن وجهة نظري الشخصية أرى .....)رأي شخصي بخصوص الإشكال المطروح مدعم بحجج(