نموذج تحليل ومناقشة السؤال الفلسفي الاشكالي في محور المعرفة التاريخية
نموذج تحليل ومناقشة السؤال الفلسفي الاشكالي في محور المعرفة التاريخية
أهلاً بكم زوارنا الكرام على موقع الحل لمحة معرفة يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم أعزائي الطلاب والطالبات في صفحة موقعنا لمحة معرفة نموذج تحليل ومناقشة السؤال الفلسفي الاشكالي في محور المعرفة التاريخية
وهي كالتالي
نموذج تحليل ومناقشة السؤال الفلسفي الاشكالي
"تحليل ومناقشة سؤال فلسفي في محور المعرفة التاريخية
بأي معنى تكون معرفة التاريخ ممكنة ؟
الفهم
من البيّن أن موضوع هذا السؤال هو "المعرفة التاريخية"، وهي من القضايا الأساسية التي اهتمت بها الفلسفة عامة وفلسفة التاريخ على وجه الخصوص. وتأتي المقاربة الفلسفية لهذا الموضوع في إطار الوضع البشري باعتباره وضعا إنسانيا مركبا ومتعددا لا يمكن حصر مجالاته الإشكالية في الوجود الفردي والوجود العلائقي فقط، وإنما تصل امتداداته إلى البعد الزمني الذي يحيل على مفهوم التاريخ، لأن الإنسان يحيا حياة لها بعد تاريخي. وإذا كانت المعرفة في مجملها تقتضي علاقة بين ذات وموضوع، ففي هذا السياق فإن الذات هي الإنسان والموضوع هو التاريخ، وهذا ما يحيلنا على مفارقة: طبيعة المعرفة التاريخية بين العقل والنقل، وشروط تحققها بين مجرد الرواية والسرد من جهة، والتحليل والتعليل والتدقيق من جهة أخرى." من هذا المنطلق يمكن صياغة مجموعة من التساؤلات الإشكالية :
ــ ما طبيعة المعرفة التاريخية ؟ هل هي معرفة نقل أم معرفة عقل ؟ وهل تقف عند حدود السرد التاريخي للأخبار أم تصل إلى مستوى التأمل والتحليل النقدي ؟ ما هي دلالة التمايز والاختلاف بين المعرفة التي تقف عند حدود الظاهر والمعرفة التي تصل إلى الباطن؟ هل معرفة التاريخ غاية أم وسيلة؟ وبأي معنى يمكن القول بأن التاريخ هو علم ؟
التحليل
قبل الخوض في المعالجة الفلسفية لهذه المفارقات الإشكالية، فلنتأمل بداية بنية السؤال "بأي معنى تكون المعرفة التاريخية ممكنة ؟" لنجد أنه يتضمن مفهومين أساسين هما المعرفة والتاريخ؛ فإذا كان يقصد بالمعرفة الحكم أو مجموع الأحكام التي تُصدرها الذات عن الموضوع. فإن التحديد الدلالي لمفهوم التاريخ يعد إشكالا في حد ذاته؛ فما هي بعض دلالات مفهوم التاريخ ؟
يعرّف "جميل صليبا" التاريخ بأنه "علم يبحث في الوقائع والأحداث الماضية". كما يعرفه "لالاند" بأنه "معرفة مختلف الأحوال المتحققة بالتسلسل في الماضي". وبذلك يمكن أن نخلص إلى التعريف التالي: "المعرفة التاريخية هي كل معرفة تأخذ من تسلسل التجربة البشرية، وتعاقب الأحداث موضوعا لها".
لكن تباين هذه المعرفة من حيث أسس بناءها وطبيعتها، جعل الأطروحات والمواقف الفلسفية تتعدد، وهنا يمكن أن نقول "أن المعرفة التاريخية هي بناء عقلي ونظري يتجاوز مجرد الإخبار والسرد". ولتدعيم هذا الطرح الفرضي لا بد من استحضار أطروحة المؤرخ العربي عبد الرحمان ابن خلدون الذي صاغ موقفه من خلال التمييز بين نمطين من المعرفة الممكنة للتاريخ؛ أولا، المعرفة التي تقف عند حدود ظاهر التاريخ، ولا تتعدى مجرد النقل وإعادة سرد وحكي أخبار وأحوال الماضين من الناس، وهو ما يؤدي في الغالب إلى تكريس المغالطات وتحريف الحقائق والحيد عن الصواب. وهذه هي معرفة العامة والجٌهّل. ثانيا، المعرفة التي تتجاوز حدود الظاهر وتصل إلى باطن التاريخ وعمق أحداثه وصميم وقائعه، وهي تتخذ من النظر العقلي والبرهاني منهجا، بالاعتماد على مبادئ التأمل والتحليل والتعليل والنقد من أجل الوقوف على الدلالات والعِبر التي يمكن الاستفادة منها حاضرا ومستقبلا. وهذه هي معرفة الخاصة من المؤرخين والمفكرين والعلماء.
إن المعرفة التاريخية، بهذا المعنى، هي معرفة دقيقة البناء، صارمة المعايير، ليس بوسع أي كان القيام بها، بل هي عمل متخصص يقوم به المفكر والمؤرخ والعالم بالاعتماد على أسس ومرجعيات منهجية تجعله يبني علما. فليس التاريخ عند ابن خلدون هو إخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول، وإنما هو نظر وتحقيق .
المناقشة
إلى جانب الأهمية الفلسفية لموقف ابن خلدون الذي أسهم من خلالها في إثراء النقاش الفلسفي والفكري حول إشكالية المعرفة التاريخية، فموقفه هذا يحظى بقيمة يمكن عرضها عبر مستويين: أولهما منهجي، وثانيهما معرفي؛ فأما على المستوى المنهجي فقد تضمن موقف ابن خلدون خطة منهجية رصينة البناء، بحيث يجب على الدارس للتاريخ أن يلتزم بها كي لا يُسهم في تحريف التاريخ وتشويه حقائقه. أما على المستوى المعرفي، فإن ابن خلدون رغم أصالة موقفه فهو يظل من الأسس النظرية المرجعية التي استفادت منها المعرفة والفكر الإنساني في البحث والتحقيب التاريخي، خلال مراحل متقدمة من العصر الحديث.
إذن، هذا الموقف الذي تبناه ابن خلدون حوالي القرن 15 م، لم يكن موقفا وحيدا ومعزلا، بل إن هناك من مؤرخي القرن 20 م من اعتمد على نفس المنطلقات المنهجية التي وضع أُسسها ابن خلدون، وهنا نستحضر موقف هنري مارو H. Marrou الذي يعطي بعدا آخر للإشكال، لا يقطع بشكل جذري مع الموقف السابق، بل يعززه في كون المعرفة التاريخية هي بناء عقلي يتجاوز مجرد السرد والحكي.
لقد انطلق هنري مارو H. Marrou من تعريف دقيق ومحدد للتاريخ مفاده :"التاريخ هو معرفة الماضي الإنساني". وهو إذ يؤكد على دلالة مفهوم المعرفة، فهو ينفي أي ارتباط لهذه الدلالة بمعاني السرد والحكي والرواية والبحث والدراسة؛ بمعنى، أن معرفة التاريخ ليس سردا ولا حكيا لأحداث ووقائع الماضي، ولا هو إعادة كتابتها، أو القيام بحث أو دراسة حولها. وإنما التاريخ هو معرفة دقيقة تعتمد مبادئ العقل. إن التاريخ غاية وليس وسيلة. فقد ميّز هذا المؤرخ بين المعرفة التاريخية والبحث التاريخي أو الدراسة التاريخية؛ فإذا كانت الدراسة والبحث هما مجرد وسيلة، فإن المعرفة التاريخية، باعتبارها بناء ذهنيا يقوم بشكل قبلي في ذهن المؤرخ، هي غاية كل بحث أو دراسة. ويذهب هنري مارو H. Marrou في هذا الموقف أبعد، حينما يربط التاريخ بالعلمية قائلا : "التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي". وهذا ما يميز التاريخ عن كل الممارسات غير العلمية من قبيل الرواية والسرد والخيال والأسطورة.
التركيب
إن إشكالية المعرفة التاريخية هي إشكالية فلسفية وضعتنا أمام تقابل فلسفي مهم يضع المعرفة التاريخية بين منطق العقل ومنطق النقل، والملاحظ أن جُلّ التصورات الفلسفية التي تعاطت مع هذه القضية (ابن خلدون، هنري مارو) ذهبت إلى تبني الطرح القائل بأن المعرفة التاريخية تتجاوز حدود السرد والحكي والرواية والإخبار، لتصل إلى مستوى الدقة المنهجية التي تجعل من التاريخ علما، وهذا ما يكشف عن رهان فلسفي ابستيمولوجي مهم جعلنا نتعرف الخلفيات الفلسفية التي أسهمت في بناء "علم التاريخ". وسواء كانت الأحداث والوقائع التي نعرفها اليوم عن التاريخ، من خلال ما درسناه في المناهج والمقررات أو عبر وسائط إعلامية أخرى، ترتبط بماض قريب أو بعيد، فإننا مطالبون بالتعاطي العقلي والمنهجي معها، حتى لا نكون مجرد حلقة في إعادة حكي ونقل هذه الوقائع دون تمحيص أو تدقيق."