تحليل نموذج شعري من خطاب تكسير البنية نص الحزن للشاعر المصري صلاح عبد الصبور سعيد بكور
تحليل قصيدة الحزن
اللغة العربية جذع مشترك أدب
تحليلُ نموذج شعريّ من خطابِ تكسير البنيةِ، للشّاعر المصريّ " صلاح عبد الصبور"، سعيد بكور.
أهلاً ومرحبا بكم اعزائي الطلبة في موقعنا التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية موقع لمحة معرفة يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم أعزائي الطلاب والطالبات شرح ملخص وحل تطبيقات للسؤال القائل... تحليل نموذج شعري من خطاب تكسير البنية نص الحزن للشاعر المصري صلاح عبد الصبور سعيد بكور
الجواب هو //
تحليل نموذج شعري من خطاب تكسير البنية نص الحزن للشاعر المصري صلاح عبد الصبور سعيد بكور
متنُ النص:
الحزنُ
يا صاحبي، إني حزين
طلع الصباح، فما ابتسمت، ولم ينر وجهي الصباح
وخرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح
وغمست في ماء القناعة خبز ايامي الكفاف
ورجعت بعد الظهر في جيبي قروشْ
فشربت شاياً في الطريق
ورتقت نعلي
ولعبت بالنرد الموزع بين كفي والصديق
قل ساعة او ساعتين
قل عشرة او عشرتين
وضحكت من اسطورة حمقاء رددها الصديق
ودموع شحاذ صفيق
وأتى المساء
في غرفتي دلف المساء
والحزن يولد في المساء لأنه حزن ضرير
حزن طويل كالطريق من الجحيم الى الجحيم
حزن صموتْ
والصمت لا يعني الرضاء بأن أمنية تموت
وبأن أياماً تفوت
وبأن مرفقنا وَهَنْ
وبأن ريحاً من عَفَنْ
مس الحياة، فأصبحت وجميع ما فيها مقيت
تحليل النصّ:
عَرفَ الشِّعر العربيُّ الحديث ابتداءً من عصر النهضة حركيَّةً وتطورا بعد غيبوبة دامت ردْحاً من الزَّمن ليس بالقصِير، فأثمرَ نتيجةً لذلك التطوّر حركةً إحياء النَّموذج التي أعادت للشِّعر العربيِّ بهاءَه ومكانته، وتلتْها حركةُ سؤال الذَّات التي أولت أهميّتها للمضامين ذات الصّبغة الذاتيّة والوجدانية مجدّدةً نسبيّا في الإطار الموسيقيّ، ولم تقف حركيَّةُ الشِّعر العربيِّ عند هذا الحدِّ بلِ استمرَّت في التطوُّر وأثمرَتْ في نهاية المطاف حركةَ تكسيرِ البنية التي ثارت على الشِّعر القديم شكلا ومضمونا، وانقلبت على المفاهيم الشِّّعريَّة القديمة، وتبنَّتْ بذلك شكلا جديدا يعبِّر عن مضامين جديدة، وهكذا كسَّرت نظام الشَّطرين وعوَّضته بنظام يقوم على الأسطر والجمل الشعرية التي تطُول وتقصُر تبعا لحجم الدّفقة الشُّعوريّة وامتدادها، وقد أسهمت عدة أسباب في بروزِ هذه الحركة، منها : نكبةُ فلسطين التي نزعت من نفس العربيِّ كلّ تقديس للماضي وزرعت فيها شكّاً تُجاهَ كل الثَّوابت، والتَّلاقُحُ الثَّقافيِّ مع الحضارة الغَرْبيَّة الذي جعل الشعراء العرب ينفتحون على تجارب جديدة، وقد حمل عدَّة شعراءَ مِشْعَل هذه الحركةِ ونذكرُ منهم: بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البيّاتي، ومحمد عبد المعطي حجازي، وكذا صلاح عبد الصبور الذي يعدُّ من جيل الرّواد المنشئين لتجربة شعر تكسير البنية، جمع بين الإبداع الشّعريّ والنّقديّ. فإلى أي حدّ مثّل الشّاعر التيّار الذي ينتمي إليه ؟
جاء العنوان مركّبا اسميا مكونا من مبتدأ (الحزنُ) خبرُه متن النص، ودلاليا يوحي "الحزن" بالهمّ والغمّ والكآبة، وهو ضدّ الفرح والسّعادة، فإلى أيّ حد يعبر العنوان عن فحوى النص؟
ومن خلال دلالة العنوان وشكل النصّ الطِّباعيِّ القائم على نظام الأسطر، واتكاءً على اسم الشّاعر وبعض المشيرات النصية الدّالة من قبيل: " يا صاحبي إني حزين، فما ابتسمت، حزن ضرير، حزن صموت.."، نفترض أنّ القصيدة التي بين أيدينا تنضوي تحت خطاب تكسير البنية، يعالج فيها صاحبها موضوعا يرتبط بغربته النّفسية والوجودية، حيث يشعر بالحزن وتفاهة العالم الذي يحيا فيه. فما الأساليب الفنية التي وظّفها الشاعر للتعبير عن تجربته؟ وما المقصدية التي رامها؟
تدور رحَى القصيدة حول الاغتراب الذي يعانيه الشّاعر؛ إذ يصف حالته النّفسية التي يهيمن عليها الحزن، وحياتَه اليومية التي تطبعُها الرّتابة القاتِلة، ويبدأ قصيدته بمخاطبة صاحبه مناديا إياه قصد إخباره بحزنه الدائم الذي يفشلُ نور الصّباح في إبعاده ورسم الابتسامة على محيّاهُ، حاكياً بعض التفاصيل اليومية الرتيبة ، مبرزا من خلالها غربته وضياعه الذي يظهر أساسا في فقدانه الإحساس بالزمن، بعد ذلك يعرّج على تشخيص الحزن مبرزا إياه في شكل إنسان من لحم ودم يتصف بالعمى والصّمت، ويشبهه باللص والأفعوان، وكلها أوصاف تبرز عمق ما يعانيه الشاعر من غربة وضياع نفسي ووجوديّ داخل المدينة.
← تطرّق الشاعر في قصيدته إلى وصف غربته النفسية وضياعه الوجودي الذي يحياه، كاشفا مقدار الحزن الذي يخيم على حياته كسحابة سوداء قاتمة، ما يعني أنّ الشاعر جدّد في المضامين ضاربا عُرض الحائط بالأغراض الشعرية القديمة التي كانت تدور في الغالب الأعمّ على المدح والهجاء والغزل والرّثاء.
وبالانتقال إلى دراسة المعجم نلفي انتشارا لحقلين دلاليين هما الحقل الدال على الغربة الذي تنضوي تحته العبارات والألفاظ التالية:" صاحبي، إني حزين، أطلب الرزق، ما ابتسمتُ، لم ينر وجهي الصّباح..."، والحقل الدّال على الحزن، ومما ينضوي تحته نذكر:" أتى المساء، حزن ضرير، حزن صموت، حزن طويل..."، و من خلال تتبع كلا الحقلين نلاحظ هيمنة حقل الغربة هيمنة طفيفة على حقل الحزن لأن غاية الشّاعر منصبّة على التعبير عما يعانيه من ضياع وجودي وإحساس بالغربة، والعلاقة بين الحقلين قائمة على السّببية؛ ذلك أنّ الغربة التي يحياها الشّاعر أورثته حزنا وكآبة.
← نلاحظ أن لغة القصيدة شفّافة، تتسم بالبساطة وتقترب من لغة الحياة اليومية، دون أن تفقد طاقتها التخييلية وبُعدَها الرّمزيّ، وهكذا كان الشاعر مجدّدا في لغته، ثائرا على فخامة الألفاظ وجزالتها، موظفا لغة تنقل نبض الواقع واضطرابات النفس.
وإذا عرجنا ناحية الإيقاع ألفينا القصيدة قد بنيت على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، واختار الشاعر تفعيلة الكامل "متفاعلن" لينقل من خلالها ما يعانيه من حزن وغربة وجودية، وجاء حرف الروي متعددا (النون، الحاء، القاف) ومقيّدا يعكس انقباضا داخليا، وهو ما أثّر في القافية التي جاءت مركّبةً (زينْ، باحْ، منْعفنْ)، ويكشف هذا التنوع في القافية والروي اضطرابا نفسيا وغليانا داخليا، وفيما يخص الإيقاع الدّاخلي فنجد حضورا للتّوازي الذي يظهر في سطرين متواليين:
قل\ ساعةً\ أو\ ساعتين
قل\ عشرةً\ أو\ عشرتين
وهو توازٍ عمودي(مقطعيّ)، صرفيّ، نحويّ، عروضيّ، تامّ، أعطى للقصيدة حيوية إيقاعية أنقذتها من جو الركود والحزن الملقي بظلاله القاتمة، وإضافة إلى التوازي اهتم الشاعر كثيرا بالتكرار سواء تكرار الصوامت"النون، القاف، التاء، الميم" أو الصوائت:" السكون، ياء المد، ألف المد..' التي تعكس معاناة داخلية وحالة نفسية منقبضة، أضف إلى ذلك الجناس الاشتقاقي" حزين، حزن" وتكرار الألفاظ" الصّديق..."، وأعطى التكرار بمختلف أنواعه تنوعا صوتيا نابعا من ترداد نفس الأصوات، الشّيء الذي منح القصيدة ثراءً نغميّا وتنوعا موسيقيا أنقذها من السقوط في مهاوي الرتابة التي فرضها المعنى.
← نلاحظ مما سبق تجديدا في البنية الإيقاعية؛ حيث عوّض نظام البيت بالتفعيلة، والشطرين المتساويين بالسطر الشعري، والقافية المطردة بالمتعددة، والروي الموحد بالمتنوع، وعليه كان الشاعر مجددا لا محافظا.
وخدمةً للجانب التخييليّ الذي يعدّ ذا أهمية بالغة في الارتقاء بالقول الشعري في مدارج الشعرية وآفاق الجمال الفنيّ، وظف الشاعر كمّا هائلا من الصور الشعرية التي تنوّعت بين التشبيه والاستعارة والكناية، وكانت كلها متضافرة في خدمة الدلالات النفسية والتجربة الاغترابية للشاعر، ومن التشابيه الموظفة قوله:" حزن ضرير"، حيث شبّه الحزن بالرجل الضرير ووجه الشبه السّواد والظّلمة؛ فكما أنّ الضرير لا يرى النور فكذلك الحزن لا يترك صاحبه يرى نور السعادة والفرح، وهو تشبيه يكشف حجم ما يعانيه الشاعر من كآبة حرمته الفرح، ونفس الأمر ينطبق على تشبيهه " حزن صموت" ولصيغة المبالغة هنا دلالتها التي تكشف عن حالة الكآبة التي تجاوزت كل الحدود، ووظف الاستعارة في قوله:" دلف المساء" إذ شبه المساء برجل يدخل متسللا بخفاء إلى البيت دون استئذان، وهي استعارة مكنية تبعية تكشف صدمةَ َ الشاعر من زيارة الحزن المفاجئة، وفي قوله" أمنية تموت" استعارة بديعة ، إذ جعل الأمنية إنسانا ذا روح يموتُ، وهي استعارة تبعية مكنية تبرز وصول الشاعر إلى قمة اليأس والقنوط، فكل شيء أودى به الحزن حتى الأماني. ونلفي كناية في قوله" رتقتُ نعلي"، وهي كناية عن كثرة المشي أو الفقر، وتكمن وظيفة هذه الكناية في المراوغة الدّلالية وتقديم المعنى بطريقة فيها كثير من الاحتيال الدلاليّ والجماليّ. وعليه أدت الصور السابقة دوار في الارتقاء بالنص فنيا وجماليا، وكذا التعبير عن عمق ما يعانيه الشاعر نفسيا من غربة وجودية.
← نستنتج من دراستنا للصور الشعرية أنّها نابعة من تجربة الشّاعر الحياتية والنّفسية، ناقلة لاغترابه الوجوديّ، وعليه فقد جدّد فيها مخرجا إياها من حيّز الذّاكرة والمحفوظ.
وبالنسبة للأسلوب فقد كانت الهيمنة للأسلوب الخبريّ الذي استثمره الشاعر لينقل بعض تفاصيل الحياة المملة والرتيبة، ويكشفَ عن حزنه وغربته الوجودية، وقد جاء السرد رتيبا ثقيلاً عليه سيماء الحزن والكآبة، ما يعني أنّ الأسلوب الخبري تأثر بنفسية الشاعر الحزينة الرّتيبة، ومن نماذج هذا الأسلوب قول الشاعر:" رتقت نعلي، لعبت بالنرد"، أما الأسلوب الإنشائي فقد جاء يتيما ممثلا في الأمر" قل" وهو يفيد اللامبالاة المطلقة بالزمن. ونلاحظ هيمنة للجمل الفعلية على نظيرتها الاسمية وهو ما نفسره بالحالة النفسية المضطربة والحركة الدّاخلية.
عمل الشّاعر في قصيدته على وصف غربته النّفسية، وضياعه الوجودي، وإحساسه بالحزن والملل ورتابة الحياة، قاصدا إلى كشف الواقع الذي يسوده إحساس اللامبالاة وانتقادِه في نفس الوقت، وللتعبير عن ذلك وظّف لغة ليّنة ومعجما يتشكّل من حقلين، وصورا نابعة من التجربة وناقلة لنبض الحياة اليومية، وأسلوبا خبريا ساعده على البوح والسّرد، أضف إلى ذلك استنجاده-وهو الشاعر الحديث- بإيقاع شعري جديد كلّ الجدّة، وخلاصة القول نصل إلى إثبات صحّة الفرضية وانتماء النص إلى خطاب تكسير البنية، وتحديدا إلى تجربة الغربة والضّياع. ويمكن الجزم بأنّ شاعرنا كان موفّقا في تمثيل الاتجاه الشعري الذي ينتمي إليه شكلا ومضمونا.