منهجية تحليل نص من إحياء النموذج لغة عربية جذع مشترك
تحليل قصيدة من إحياء النموذج:
أهلاً ومرحبا بكم اعزائي الطلبة في موقعنا التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية الإجابة الصحيحة والنموذجية موقع لمحة معرفة يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم أعزائي الطلاب والطالبات شرح ملخص وحل تطبيقات للسؤال القائل... منهجية تحليل نص من إحياء النموذج لغة عربية جذع مشترك
الجواب هو //
تحليل قصيدة من إحياء النموذج
إحياءُ القصيدةِ القديمة:
قراءةٌ نصّية في دالية حافظ إبراهيم في رثاء البارودي، د. سعيد بكور، الشارقة الثقافية، مارس 2019م.
كان الشِّعر في عصر الانحطاط يسير على نَهْج التَّكلُّف والتّصنيع والتلَّاعب اللَّفظي، نظراً لِاهتمامِ الشّعراء بالشَّكل على حساب المعاني، وهكذا انتشر الجمود في أوصال الشِّعر، فتجمّدتْ دماء الجمال في عروقه ، وأصبح كلاما غثًّا تنتفي فيه النزعة الذاتية والروح الشعرية، ومع بزوغ عصر النّهضة أشرقت شمسٌ جديدة عمّت بنورها الشِّعر فاسْتفاقَ من غيبوبته واستيقظ من سُباته لينطلق في سماء النُّضج الفني، ويعودُ الفضل في ذلك إلى حركة إحياءِ النَّموذج التي انتشلتِ الشِّعر العربيّ من براثِن التّصنع و مستنْقعِ التكلُّف، وقد تم ذلك على يدِ شعراءَ عُرفوا بشاعريَّتِهم المتدفِّقة ومواهبهم الفذَّة، نذكر منهم: ناصيف اليازجي، ومحمود سامي البارودي ، وأحمد شوقي، وكذا حافظ إبراهيم الذي يعد بحقٍّ رائداً من رواد حركة إحياء النموذج، سمّي بشاعر النيل. فإلى حد مثَّلث القصيدة خصائصَ شعر إحياء النموذج؟
انطلاقا من مناسَبة القصيدة ( قال حافظ إبراهيم يَرْثي محمود سامي البارودي)، واتكاءً على شكلها التقليدي وعلى بعض المشيرات الدّالّة من قبيلِ "رُدُّوا عليّ بياني، ما لحبل القوافي غير ممدود، أفحمني، تجري السلاسة في أثناء منطقه، يا مؤْنس الموتى ،يا شاعرا ضن الزمان به ، يا فارس الشِّعر والهيجاء.."، نفترض أننا إزاء قصيدة شعريّةٍ تنتمي إلى شعر إحياء النموذج، يَرثي فيها الشاعر قُطبا من أقطاب حركة إحياء النموذج ورائدا من رُوّادها وعلَماً من أعلامها، معدِّدا مناقبه ومذكِّرا بشاعريته الفذَّة. فإلى أيِّ مدًى تصح هذه الفرضية ؟ وما الأساليب الفنيّة الموَظّفة من قِبَلِ الشّاعر؟ وما المقصدية التي رامَها ؟.
يظهرُ من قراءة القصيدة، أن حافظا يَتَّخذُ من غرضِ الرِّثاء موضوعا، حيْثُ استهلَّها بالتّعبير عمَّا أصابه من صدْمة شعوريَّةٍ وأزْمةٍ نفسيَّةٍ جرَّاء موت الفقيد محمود سامي البارودي، وحتَّى يخفف من هوْل ما نزل به انتقل إلى تأْيينِه وتَعْدادِ محامدِهِ و مناقبه من جودٍ، وشجاعةٍ ، وشدِّة عارضةٍ، وزهدٍ، وقدرة على التصرف في فنون القول، خاتما قصيدتَهُ بالتماسٍ يوجِّهه إلى الذاهبين في موْكب الفقيد، طالبا منهم غضَّ الأبصار احتراما للمَشهد المَهِيبِ.
مما سبق، نلحظ أن الشَّاعر يسير على خُطى من سبقه من شعراء العربيَّة الفُحول، وذلك من حيثُ اعتمادُه غرضا شعريّا قديما هو الرثاء، ومعنى ذلك أنّ حافظ إبراهيم وفيّ للمضامين القديمةِ، دون أن ننكر خصوصية التجربة النَّفسيَّة التي عبّر عنها.
وإذا انتقلنا ناحية التّحليل وجدنا معجم القصيدة قد توزَّع بين حقلين دلالين يتفاوتان طولا وقصرا، حضورا وغيابا، إفرادا وتركيبا، امتِداداً وانحسارا، أوّلُهما الحقل الدّال على "ذات الشاعر"؛ ومما ينضوي تحته نذكرُ : " إنِّي عييت، لا تطاوعني، أفحمني، همّ وتسهيد..."، وثانيهما الحقل الدال على "مناقب الفقيد"، ومما يندرج تحته نذكر : " يا مؤنس الموتى، يا فارس الشّعر، تجري السّلاسة في أثناء منطقه، يا خير من هز اليراع...". ونلاحظ من تتبُّعنا للحقلين وجردنا لألفاظهما وعباراتهما أنَّ حقل "مناقبِ الفقيد" آلتْ له الغلبةُ، ورجَحت كفَّته لسببٍ منطقيٍّ هو أن رَحى القصيدة تدورُ حول رثاء محمود سامي البارودي ، أما العلاقة بين الحقلين فهي قائمة على السَّببية ؛ ذلك أن موت الفقيد ورحيله أثَّر في نفسية الشاعر ممَّا دفعه إلى رثائه وتأبينه بكبدٍ حَرَّى وقلبٍ ملتاعٍ :
موتُ الفقيد← تأثُّرُّ الشَّاعر نفسيًّا←رثاءُ الفقيدِ
نستنتِج من دراسة المعجم أن الشاعر يَمْتَحُ من حقل الرّثاء وينهل من معينه، وهو ما ساعده على التّعبير عن تجربته النَّفسيَّة، وفيما يخصُّ اللغة فهي ذاتَ نفَسٍ تقليديٍّ ، تتَّسم ألفاظها بالجزالة والفخامة مع مُسحةِ حزنٍ أتتْها من طبيعة الغرض، وهي تُشبه لغة الفحول، ما يؤكد فرضيةَ تمثُّل شاعرنا للقدماء في لغتٍهم ومعجمهم الشعري الموظَّف.
إذا انتقلنا ناحية الإيقاع الخارجيِّ، وجدنا الشاعر قد امتطى صهوة البسيط، وهو بحر ذو نفَس شعريّ طويل وتفعيلات ممتدة ومساحة واسعة، اختاره الشاعر ليعبِّر عما يجيش في صدْره ويعتمل في خاطره من أحاسيس الحزن التي خلَّفها موت الفقيد، أما القافية فقد جاءت مُطلقة مردفة، وبعضَ كلمة في الغالب الأعمِّ (هودي - هيدي - جودي)، كما جاءت موحّدة (/0/0) في كل القصيدة، مما أعطى لنهاية الأبيات انتظاما موسيقيا بديعا وتجانُسا أغنى فاعليتها الصَّوتيّة، وهكذا أدّتِ القافية وظيفة صوتية وأخرى نفسية وثالثة معنوية، فهي تطرب الآذان، وتهزُّ النفوس، وتسهم في بناء المعنى .إنّها تتويج بديع لمسار إيقاعيّ ، ومصبٌّ للمعنى والإيقاع في انحدارهما وتدفّقهما، وفيما يخص الرويّ فقد جاء دالا مكسورة (دِ) تعكس حالة الشّاعر المنكسرة ونفسيته المحبطة، إذ اضطلع بوظيفة نفسية وصوتيَّةً، تتمثّل أساسا في ذلك النّغم الرائق المطَّرد الذي يتكرر نهاية كل بيت، دون أن ننسى ظاهرة التّصريع في البيت الأول "مودي- هودي" الناتجة عن تأثُّر العروض بالضرب في النقصان (فعِلُن\فَعِلُنْ)، و هو ما أضفى على بداية القصيدة جمالية موسيقيَّة آتية من التماثل الصوتي، تُطرب الآذان وتهزُّ النفوسَ وتحض السامع على المواصلة.
وإذا انتقلنا ناحية الإيقاع الداخلي وجدنا حضورا لا بأس به للتوازي، الذي وقَع متفرِّقا في القصيدة وبشكل عموديّ، ونبرزه في الآتي:
-5-لبّيك يا مؤنس الموتى؛
-8-لبّيك يا شاعرا؛
-10-لبيك يا خير من هزّ اليراع.
وهو توازٍ عمودي\ مقطعيّ، نحويّ، نسبيّ، أسهم نوعيا في إغناء الفاعلية الإيقاعيّة للقصيدة منقذا إياها من جو الحزن المرخي بظلاله على أرجائها.
وإلى جانب التّوازي، نجد التَّكرار حاضرا بقوةٍ، سواء منه تَكرار الصّوامت " الدال، السين، الميم..." أو الصوائت "الكسرة ، ياء المدّ، واو المدّ" أو تكرار الألفاظ "لبيك ، محمود، نزحت" ، أضف إلى ذلك الجناس الاشتقاقي ( شاعر -الشعر)، ولا يخفى على القارئ ما أضافته أشكال التّكرار من تنوّع موسيقي أغنى القصيدة إيقاعيا، ووهبها قدرا كبيرا من الجرس والنغم والتجانس الدّاخليّ، ونجد إلى جانب ذلك التّكرار العروضيّ؛ أي تكرار نفس البحر في القصيدة بأكملها ونفس الرويّ والقافية، الأمر الذي أضفى على أجزائها نغما موسيقيا يحكمه الانتظام والانضباط الإيقاعي الذي لا خللَ يعتريهِ.
يظهر من دراسة الإيقاعِ أنّ الشاعر متأثِّر بالبنية الإيقاعية للقصيدة القديمة محافظ عليها، من حيثُ اعتمادُه على بحر من بحور الخليل وقافية مطّردة وروي موحّد، إضافة إلى ظواهر من قبيل التوازي، والتّصريع، والتكرار .
ولأنَّ الصور الشعرية هي روح الشعر وعمودُهُ، فإن الشاعر حرصَ على توظيفها قاصدا من خلالها إغناءَ دلالة النص وإضفاء المُسحةِ الجمالية والبعد التخييلي عليه، وهكذا وظَّف الاستعارة في قوله " ما للبلاغة غضبى "، حيث استعار صفة الغضب من المرأة وأسندها إلى البلاغة، حاذفا المستعار منه "المرأة" ورمز إليه بالقرينة "غضبى"، على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية، ولا شك أن هذه الاستعارة تبرز من حيثُ وظيفتُها التّعبيرية مدى صدْمة الشاعر، لدرجة أنه فقد معَها قدرته على القول، كما تكمن جماليتها في تشخيص المعنوي وبثِّ الحياة في أوصاله، فنتصوّره إنسانا يغضب ويرفض المطاوعة، ونجد إلى جانب الاستعارة المجازَ المرسَل " ما لحبل القوافي غير ممدود " حيث عبّر بالجزء الذي هو القوافي" وأراد الكل الذي هو "القصائد" وعلاقة هذا المجاز هي الجزئية، وتكمن وظيفته في المراوغة الدلاليّة والإيجاز والتكثيف والتعبير عن العجز، ونجد في البيت التاسع تشبيها بديعا يشبه فيه الشاعر "جريان الكلام على لسان الفقيد" ب"جريان الماء في العود"، ووجه الشبه هو السّرعة والتّدفّق والانطلاق والانسيابيّة، ويبيِّن هذا التشبيه شاعرية الفقيد وبراعته القولية وشدّةَ عارِضته، ويمكن أن نجد في قوله "هزّ الحسام" كناية عن الشجاعة. وقد أدت هذه الصور مجتمعة وظيفة تزيينية تارة تتجلى في إضفاء المسحة الجمالية واللمسة الفنيّة، وتعبيرية تارة أخرى تتمثّل في إبراز معاناته وفرط حُزنه، كما أسهمت في تقريب المعنى وتقديمه في قالَبٍ تصويري بديع حقّق الإمتاع واللذة النفسية.
والظّاهر من الصّور الشّعرية الموظفة أن شاعرنا يحتذي طريقة القدماء في التّصوير لا يحيد عنها قيد أنْمُلة إلا بالقدر الذي يعبرِّ به عن تجربته، ذلك أنّ سائر الصّور الشعرية مستقاة من الذاكرة بيدَ أن لمسة الشاعر الإبداعية لها بروزها وحضورها.
وفيما يخصُّ الأَساليب زواج الشاعر بين الأسلوب الخبريّ ونظيره الإنشائيّ، لكن غلبةً طفيفةً آلت للأسلوب الخبري الذي رجَحت كفّة ميزانه، وذلك عائدٌ إلى طبيعة النّصِّ القائمة على الإخبار والوصف وبثّ لواعِجِ الأسى والحزن وإفراغ شحنات الألم، ومن نماذج ذلك نذكُر: "ظنَّت سكوتي، تجري السلاسة في أثناء منطقه،..." ، وكان للأسلوب الإنشائي حضوره القويّ الوازنُ الذي يستدعيه المقام والسياق ممثَّلاً تارةً في الأمر " رُدوا، غُضوا " الذي خرج عن معناه الحقيقيّ ليفيدَ الالتماسَ، والاستفهام " ما للبلاغة غضبى لا تطاوعني؟" الذي جاء بغاية الإنكار والتعجّب والتحسّر على عدم قدرته على رثاء الفقيد، وهو الذي اعتاد على القول في يسر وسهولة، والنداء " يا شاعرا – يا خير.." الذي أفاد علوّ مكانة الفقيد وبُعده عن عالم الأحياء والشوق إليه. ومن ناحية أخرى عجّت القصيدة بالأفعال التي أعطتها حيوية ودينامية وكشف واقعا نفسيا مضطربا شديد الاعتمال.
ختاماً، عملَ الشاعر في قصيدتِه على التَّعبير عن حالته النفسيّة التي خلَّفها موت محمود سامي البارودي راثيا إيَّاه رثاءً يقطُرُ ألما وصدقاً، وقد قصد من خلال رثائه هذا إلى تكريم الفقيد وتخليد ذكراه، وهكذا خلَع عليه جملة من الصفات والمناقب والمحامد، موظِّفا أساليبَ متعدّدة ساعدته في الوصول إلى مراده، ومِن خلال تتبّعنا للقصيدة نجدها تَمثِّلَ شعر إحياء النموذج سواء في المضمون أو الشكل أو البناء أو طريقة التصوير، ما يعني أن الشاعر نجح في تمثيل هذا الاتجاه، كما يتّضح بجلاء تأثّر الشاعر بالشعراء الفحول ،خاصة، في قصائد الرّثاء المشهورة، وختاما نصل إلى إثبات صحة الفرضية وانتماء النص إلى شعر إحياء النموذج، وهكذا يمكن التأكيد على نجاح الشاعر في إحياء القصيدة القديمة وتمثّلها شكلا ومضمونا.