مذكرة حول حجة الوداع
- :وفاة رسول الله بعد حجة الوداع
بعد العودة من حجة الوداع ابتدء وجع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم -
في يوم الأربعاء، فحمّ وصدّع، وعندما كان يوم السّبت لعشر خلون من ربيع،
روى مسلم عن أمِّنا عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول قبل أن يموت: ((سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك))، قالت: قلت: يا رسول الله، ما هذه الكلمات التي أراك أحدَثْتَها تقولها؟ قال: ((جُعِلت لي علامةٌ في أمتي إذا رأيتُها قلتُها: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إلى آخر السورة)).
فبكي أبو بكر الصديق عند سماعه هذه الآية.
فقالوا له : ما يبكيك يا أبو بكر أنها آية مثل كل آية نزلت على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال : هذا نعي رسول الله.صل الله عليه وسلم
وعاد الرسول..صل الله عليه وسلم
وقبل الوفاة بـ 9 أيام نزلت آخر آية من القرآن : (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
وبدأ الوجع يظهر علي الرسول.
فقال : أريد أن أزور شهداء أحد.
فذهب إلى شهداء أحد ووقف علي قبور الشهداء.
وقال : (السلام عليكم يا شهداء أحد، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وإني إن شاء الله بكم لاحق).
وأثناء رجوعه من الزيارة بكي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟
قال : اشتقت إلي إخواني.
قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟
قال : لا أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني."
اللهم إنا نسألك أن نكون منهم.
وعاد الرسول.صل الله عليه وسلم
وقبل الوفاة بـ 3 أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان في بيت السيدة ميمونة.
فقال : اجمعوا زوجاتي.
فجمعت الزوجات.
فقال النبي : أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة ؟
فقلن : نأذن لك يا رسول الله.
فأراد أن يقوم فما استطاع، فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملا النبي، وخرجوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة، فرآه الصحابة علي هذا الحال لأول مرة.
فيبدأ الصحابة في السؤال بهلع : ماذا أحل برسول الله.؟
فتجمع الناس في المسجد وامتلأ وتزاحم الناس عليه.
فبدأ العرق يتصبب من النبي صل الله عليه وسلم بغزارة.
فقالت السيدة عائشة : لم أر في حياتي أحد يتصبب عرقاً بمثل هذا
فتقول : كنت آخذ بيد النبي صل الله عليه وسلم وأمسح بها وجهه، لأن يد النبي صل الله عليه وسلم أكرم وأطيب من يدي.وأعظم بركة
وتقول : فأسمعه يقول : (لا اله إلا الله، إن للموت لسكرات)، فتقول السيدة عائشة : فكثر اللغط (أي : الحديث) في المسجد إشفاقا علي الرسول.صل الله عليه وسلم
فقال النبي صل الله عليه وسلم : ما هذا ؟
فقالوا : يا رسول الله، يخافون عليك.
فقال : احملوني إليهم.
فأراد أن يقوم فما استطاع. فقال اجمعوا لى سبع قرب من أبار شتى
فصبوا عليه 7 قرب من الماء حتى يفيق، فحمل النبي صل الله عليه وسلم وصعد إلى المنبر.
وكانت هذه
آخر خطبه لرسول الله صل الله عليه وسلم وآخر كلمات له.
فقال النبي : أيها الناس، كأنكم تخافون علي.
فقالوا : نعم يا رسول الله.
فقال : (أيها الناس، موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض. والله لكأني أنظر إليه من مقامي هذا. أيها الناس، والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم).
ثم قال : (أيها الناس، الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة). بمعني أستحلفكم بالله العظيم أن تحافظوا علي الصلاة، وظل يرددها.
ثم قال : (أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيراً).
ثم قال : (أيها الناس، إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله).
فلم يفهم أحد قصده من هذه الجملة، و كان يقصد نفسه.
لكن سيدنا أبو بكر هو الوحيد الذي فهم هذه الجملة، فانفجر بالبكاء وعلي نحيبه، ووقف وقاطع النبي.صل الله عليه وسلم
وقال : فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأولادنا، فديناك بأزواجنا، فديناك بأموالنا، وظل يرددها.
فنظر الناس إلي أبو بكر، كيف يقاطع النبي.صل الله عليه وسلم
فأخذ النبي يدافع عن أبو بكر قائلاً : (أيها الناس، دعوا أبو بكر، فما منكم من أحد كان له عندنا من (يدا ) أى فضل إلا كافأناه به، إلا أبو بكر لم أستطع مكافأته، فتركت مكافأته إلي الله عز وجل، كل الأبواب إلي المسجد تسد إلا باب أبو بكر لا يسد أبدا).
وأخيراً قبل نزوله من المنبر، بدأ الرسول بالدعاء للمسلمين قبل الوفاة كآخر دعوات لهم، فقال : (أوآكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبتكم الله، أيدكم الله).
وحمل مرة أخري إلي بيته.
وهو هناك دخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك، فظل النبي صل الله عليه وسلم ينظر إلى السواك ولكنه لم يستطيع أن يطلبه من شدة مرضه.
ففهمت السيدة عائشة من نظرة النبي صل الله عليه وسلم فأخذت السواك من عبدالرحمن ووضعته في فم النبي،صل الله عليه وسلم فلم يستطع أن يستاك به، فأخذته من النبي وجعلت تلينه بفمها وردته للنبي صل الله عليه وسلم مرة أخري حتى يكون طرياً عليه.
فقالت : كان آخر شئ دخل جوف الله عليه وسلم هو ريقي، فكان من فضل الله علي أن جمع بين ريقي وريق النبي صل الله عليه وسلم قبل أن يموت.
تقول السيدة عائشة : ثم دخلت فاطمة بنت النبي، فلما دخلت بكت، لأن النبي صل الله عليه وسلم لم يستطع القيام، لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه.
فقال النبي صل الله عليه وسلم : ادنو مني يا فاطمة.
فحدثها النبي صل الله عليه وسلم في أذنها، فبكت أكثر.
فلما بكت، قال لها النبي صل الله عليه وسلم: أدنو مني يا فاطمة.
فحدثها مرة أخري في إذنها، فضحكت.
بعد وفاته سُئلت ماذا قال لك النبي عليه الصلاة والسلام ؟
فقالت : قال لي في المرة الأولي : (يا فاطمة، إني ميت الليلة)، فبكيت، فلما وجدني أبكي قال : (يا فاطمة، أنت أول أهلي لحوقاً بي) فضحكت.
تقول السيدة عائشة : ثم قال النبي صل الله عليه وسلم: (أخرجوا من عندي في البيت) وقال : (أدنو مني يا عائشة).
فنام النبي علي صدر زوجته، ويرفع يده للسماء، ويقول : (بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى).
تقول السيدة عائشة : فعرفت أنه يخير.
دخل سيدنا جبريل علي النبي صل الله عليه وسلم، وقال : يا رسول الله، ملك الموت بالباب، يستأذن أن يدخل عليك، وما استأذن علي أحد من قبلك.
فقال النبي صل الله عليه وسلم : ائذن له يا جبريل.
فدخل ملك الموت علي النبي،صل الله عليه وسلم وقال : السلام عليك يا رسول الله، أرسلني الله أخيرك، بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله.
فقال النبي صل الله عليه وسلم: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى.
ووقف ملك الموت عند رأس النبي،صل الله عليه وسلم وقال : أيتها الروح الطيبة، روح محمد بن عبدالله، أخرجي إلي رضا من الله ورضوان ورب راض غير غضبان.
تقول السيدة عائشة : فسقطت يد النبي صل الله عليه وسلم وثقلت رأسه في صدري، فعرفت أنه قد مات. فلم أدري ما أفعل، فما كان مني غير أن خرجت من حجرتي وفتحت بابي الذي يطل علي الرجال في المسجد وأقول مات رسول الله، مات رسول الله.
تقول : فانفجر المسجد بالبكاء.
فهذا علي بن أبي طالب أقعد، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يؤخذ بيده يمنى ويسرى, وهذا عمر بن الخطاب يرفع سيفه ويقول : من قال أنه قد مات قطعت رأسه، إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب موسي للقاء ربه وسيعود ويقتل من قال أنه قد مات.
أما أثبت الناس فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه دخل علي النبي صل الله عليه وسلم واحتضنه، وقال : وآآآ خليلاه، وآآآ صفياه، وآآآ حبيباه، وآآآ نبياه. وقبل النبي.صل الله عليه وسلم وقال : طبت حيا وطبت ميتا يا رسول الله.
ثم خرج يقول : من كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ويسقط السيف من يد عمر بن الخطاب، يقول : فعرفت أنه قد مات. ويقول : فخرجت أجري أبحث عن مكان أجلس فيه وحدي لأبكي وحدي.
ودفن النبي عليه الصلاة والسلام.
والسيدة فاطمة تقول : أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب علي وجه النبي، ووقفت تنعي النبي. وتقول : يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه.
ترى، هل ستترك حياتك كما هي بعد وصايا رسول الله صلي الله عليه وسلم لك في فى حجة الوداع وآخر كلمات له ؟ لا أدري ماذا ستفعل كي تصبر على ابتلاءات الدنيا.؟ اللهم ارزقنا العمل بما أوصانا به رسولك صل الله عليه وسلم