ملخص مفهوم الدولة في الفلسفة جذع مشترك المجزوءة III: السياسة
المفهوم الاول : الدولة
المحور الأول : مشروعيـة الـدولـة وغاياتــها
المحور الثاني : طبيعـة السلطـة السياسـية
المحور الثالث : الدولـة بين الحــق والعنــف
مرحباً بكم طلاب وطالبات في موقع لمحة معرفة التعليمي يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم ملخص مفهوم الدولة في الفلسفة جذع مشترك
الإجابة هي
مفهــوم الدولـــة
تقـديـــم :
تتحدد الدولة باعتبارها مجموع المؤسسات التي تنظم حياة مجتمع معين في مجال ترابي محدد، بحيث تمثل جهازا يشرف على مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والعسكرية والإدارية. ومن ثم فوجود الدولة يبدو رهينا بتوفر شروط أساسية (السكان - الأرض..)، وخاصة منها استمرارية أو دوام السلطة الذي يضفي على الدولة صفة الشخصية المعنوية الثابتة من جهة، واهتمام الدولة بالشأن العام من جهة ثانية، وذلك بشكل يجعل منها سلطة لا يستفيد منها من يملكها بل تكون موجهة نحو خدمة مصالح المجتمع بشكل عام... وبهذا المعنى يتبين أن الإنسان تظل حياته رهينة بوجود الدولة نظرا لما تضطلع به من مهام حيوية تهدف إلى إشاعة النظام وتحقيق الأمن فضلا عن تأمين الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع (تعليم – صحة – شغل...)، ورعاية تطلعاتهم نحو الحرية والعدالة..غير أن هذا الوجه الإيجابي للدولة قد لا يتجسد دائما على أرض الواقع، بل وقد يصطدم بما يمكن أن يكون الأفراد ضحية له من عنف أو ظلم تمارسه الدولة بدعوى المحافظة على الوحدة الاجتماعية والصالح العام، الأمر الذي يجعل الدولة مقرونة ، بشكل مفارق ، بقيم الحق والعدل وبأساليب العنف والقوة ..!
بناء على هذه المفارقة، وباعتبار الدولة مفهوما ظل مثار اهتمام الخطاب الفلسفي، فإن مقاربته تستدعي التفكير في أساس وجود الدولة والغاية منها كإطار تستمد منه مشروعية ممارستها لسلطتها على المواطنين، إضافة إلى طبيعة السلطة السياسية وعلاقة الدولة بكل من الحق والعنف.
المحور الأول : مشروعيـة الـدولـة وغاياتــها
من المؤكد أن كل دولة تحتاج إلى تبرير وجودها وممارستها للسلطة، وتسعى من ثم إلى تأكيد مشروعيتها بالإستناد إلى دعائم سلالية أو دينية أو اجتماعية...فما الذي يمنح للدولة مشروعية وجودها؟ وما هي الغايات التي تروم تحقيقها؟.
أطروحة ماكس فيبر أطروحة توماس هوبس أطروحة اسبـينوزا
عالج ماكس فيبر في هذا النص مسألة مشروعية سلطة الدولة ، كما عالج أيضا أسباب الامتثال لها . وقد حدد ثلاثة أسس لهاته المشروعية و هي :
1-سلطة الأمس الأزلي : ترتبط هذه السلطة بالعادات و التقاليد و هي في جوهرها سلطة تقليدية كان يمارسها الشيخ داخل قبيلته ، و قبله كان يمارسها الأب و الأخ الأكبر ، المعتمدة ، بدرجة كبيرة على تكريس صلاحياتها العتيقة و عادات احترامها المتجذرة في لاوعي الإنسان .
2-سلطة الكاريزما : و هي سلطة قائمة على مزايا نادرة لشخص ملهم ، شخص يمتلك الكاريزما ، مثل شخصية النبي أو الولي الصالح أو الشخصية السياسية المميزة مثل هتلر و موسوليني و جمال عبد الناصرو مجمد الخامس . فأساس هذه الشخصية الكاريزمية هي أن يتفانى الرعايا في الدفاع عن القضايا التي يدعو إليها القائد الملهم الكاريزمي .
3-السلطة العقلانية : و هي سلطة تفرض نفسها بواسطة الشرعية و الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع و كفاءة إيجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية . فأساس هذه السلطة هو الامتثال للواجبات و الالتزامات المطابقة لقوانين النظام القائم المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية.
هذه الحالات الثلاث للسلطة المحددة للمشروعية ، تفيد كلها الامتثال للمشروعية ، لكن ما هي أسباب هذا الامتثال؟
يقسم ماكس فيبر هذه الأسباب إلى ثلاثة : هناك ، أولا ، الخوف من السلطة المسيطرة لاعتقاد الممتثل لها أنها قادرة على الانتقام منه أو ممارسة العنف عليه . ز هناك ثانيا ، اعتقاد لدى الممتثل لها أن هناك أمل في الحصول على مكافئة دنيوية أو أخروية ، و قد تكون مشروطة أيضا بمصالح متنوعة أخرى . قام فلاسفة العقد الاجتماعي و أسسوا نظرية الدولة ، ليس على مفهوم مقدس ، و إنما على مفهوم التعاقد : فالبشر أحرار و متساوون بالطبيعة . فهم عندما يتخلون عن حقهم الطبيعي في الحرية و المساواة ، فإنما ليحققوا " اكتمالهم الإنساني " بامتثالهم لسلطة الدولة التي تضمن لهم العيش في سلام و حرية مدنية ، تحت ما يسمى بدولة الحق و القانون.
يمنح طوماس هوبس للدولة سلطة مطلقة ، إذ عليها أن تتدخل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية . فالسلطة المطلقة التي يتمتع بها الحاكم ، غايتها لبست السعادة و الانفراد بالحكم ، و إنما غايتها هي ضمان السلم و جماية الممتلكات للأشخاص . فالحاكم بالنسبة لهوبس شخص له صفة تمثيلية لا يخدم مصالحه بقدر ما يخدم المصلحة العامة المشتركة فعلى الدولة أن تكون قوية و صارمة حتى لا يفكر الناس في العودة إلى حالتهم الأولى حالة الفوضى و العنف و حرب الكل ضد الكل . بهدف تحرير المجال السياسي من سلطة المقدس الديني، اتفق فلاسفة العقد الإجتماعي على أن الدولة نشأت نتيجة تعاقد بين الأفراد باعتبارهم أحرارا ومتساوين بالطبيعة، وذلك بغض النظر عن إمكانية التمييز- ضمن هؤلاء الفلاسفة - بين تصور يمنح للدولة (أو للملك الذي ليس طرفا في العقد) سلطة مطلقة تستطيع بها كبح عدوانية الأفراد على اعتبار أن " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " (رأي "توماس هوبز ")، وتصور يجعل سلطة الدولة (أو الملك) مقيدة باعتباره طرفا في العقد (رأي "جون لوك")، وموقف يعتبر الدولة تجسيدا للإرادة العامة للأفراد في الإمتثال لقوانين شرعوها بأنفسهم بدل الخضوع لسلطة القوة (رأي "جان جاك روسو").. ويندرج في هذا السياق رأي "باروخ اسبينوزا" الذي يؤكد فيه على أن الغاية من وجود الدولة ليس هو فرض الطاعة والإنضباط أو تحويل البشر العقلاء إلى حيوانات أو آلات صماء، بل على العكس من ذلك تكمن وظيفتها في تحرير الأفراد من الخوف وتمكينهم من العيش في أمان. ولا يتم ذلك إلا بتوفير الحرية لكي يستطيع المواطنون التفكير بدون قيود، ويعملون على إخضاع حياتهم لحكم العقل لا لدافع الشهوة من غضب وحقد وخداع، وهو ما يضمن أيضا للدولة عدم إلحاق الضرر بها من طرف الأفراد.
تركيب واستنتاج:
يتبين أن الدولة قد تستمد مبرر وجودها من الطبيعة الإنسانية التي تجنح بالأفراد إلى الاجتماع بغاية تحقيق الخير والسعادة، وذلك في سياق نظرة تسعى إلى التأسيس الأنطولوجي لماهية الإنسان تمييزا له عن الحيوان (التصور الأرسطي)، وقد تكون مشروعيتها قائمة على تعاقد يستجيب لإرادة الأفراد في السلم والأمن أو في المساواة والحرية في إطار تصور غايته أن ينزع عن الدولة قداستها الدينية ليضفي عليها طابعا دنيويا – وضعيا (فلسفات العقد الإجتماعي).
المحور الثاني : طبيعـة السلطـة السياسـية
تتعدد الأشكال التي تتمظهر بها الدولة من حيث طبيعة السياسة التي تميز علاقتها بأفراد المجتمع (أنظمة استبدادية أو ديمقراطية مثلا..). فكيف تتحدد طبيعة الممارسة السياسية في علاقتها بتباين الأنظمة السياسية ؟ وما هي المؤهلات اللازم توفرها في الحاكم لضمان سلطته ؟
أطروحة مونتسكيو أطروحة ميشيل فوكو
يحدد الفيلسوف مونتسكيو أنواع السلط في الدولة بكونها: السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة القضائية. و حدد اختصاص كل سلطة على حدة. كما أقر مونتسكيو أن الحرية السياسية تعني إحساس المواطن بأمنه الخاص. و أن هذه الحرية قد تنتفي عندما تجتمع السلطة التشريعية و السلطة القضائية في يد شخص واحد أو في يد هيئة سياسية واحدة، مما سيؤدي إلى صياغة قوانين استبدادية. كما أن عدم انفصال السلطة التشريعية عن السلطة القضائية سيؤدي إلى إصدار قوانين اعتباطية. و إذا ما ارتبط القضاء بالتنفيذ سيتحول القاضي إلى شخص قامع. أما إذا اجتمعت هذه السلطات الثلاث في شخص واحد أو في هيئة واحدة، أو حتى يد الشعب وحده، فإن مصير الدولة و المجتمع هو الضياع.و يشير مونتسكيو بهذا التوزيع للسلط إلى ضرورة تحقيق الديمقراطية من جهة و ضرورة و حيوية فصل السلط من جهة ثانية. إن التصور الكلاسيكي للسلطة ظل محصورا في مجموعة الأجهزة و المؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة سواء عن طريق العنف أو عن طريق القانون، لكن فوكو سوف يرفض هذا التصور بدعوى أن الانطلاق من فرضية سيادة الدولة في إطار الشرعية و الهيمنة معناه الوصول إلى الشكل النهائي للسلطة و عليه فإن الذي يهم حسب فوكو هو البحث عن أشكال تغلغل و تواجد و تصارع مجموعة من القوى داخل مجتمع ما. يقول فوكو في هذا الصدد " يبدو لي أن السلطة تعني ، بادئ ذي بدء ، علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال الذي تعمل فيه تلك القوى … إنها الحركة التي تحول تلك القوى و تزيد من حدتها و تقلب موازينها بفعل الصراعات و المواجهات التي لا تنقطع ", من هنا حسب فوكو يجب تحليل السلطة كشيء متحرك لا يمكنه الاشتغال إلا عن طريق التسلسل، السلطة بهذا المعنى ، ليست محلية ، و ليست بيد أحد ، بل هي تشتغل في إطار شبكة أو منظومة تضمن حركة الأفراد ، بحيث تجعلهم مستعدين للخضوع أو ممارسة السلطة عليهم . فالقول بشبكية السلطة معناه ، الإقرار بعدم جدوى البحث عن السلطة في النقط المركزية للدولة كما تمثلها المؤسسات ، بل من الضروري الالتجاء إلى أكثر النقط الهامشية ، لأنها أكثر فاعلية . فمن هذا المنظور ، يلح فوكو على اعتبار السلطة نوعا من المعرفة الاستراتيجية الموجهة - بكسر الجيم - و الموجهة - بفتح الجيم - ، فمن جهة ، لا تشتغل السلطة إلا على نحو معرفة ، و المعرفة هي التي تضمن سيادة السلطة ، و لهذا يمكن القول أن السلطة متواجدة في كل مكان و زمان ، نظرا لقدرتها على التوالد في كل لحظة ، إذ بمجرد ما تنبع معرفة ما ، علمية كانت أو غير علمية ، لا بد و أن تتمظهر في شكل سلطة معينة بالغة التعقيد لدرجة يصعب تتبع أصول نشوءها .
تركيب واستنتاج:
تحقيق الأمن والحرية وغيرها من الحقوق، التي يجب أن تضمنها الدولة لمواطنيها، رهين بالحرص على الفصل بين سلطات الدولة. هذا ما يلح عليه مونتيسكيو في دراسته للقانون وتحديده لوظائف الدولة، إذ لابد من التمييز بين السلطة التشريعية، كسلطة تشرع القوانين وتنظم بين سائر نشاطات الحياة في الدولة. والسلطة التنفيذية، التي تقوم بتنفيذ تلك القوانين، ثم السلطة القضائية، التي تحرص على تطبيق تلك القوانين، وتتولى الفصل في المنازعات سواء بين المواطنين بعضهم، أو في علاقتهم مع الدولة. أما حين تجتمع هذه السلطات في يد شخص واحد أو هيأة واحدة فسيكون مآل الدولة الطغيان والضياع، بتعبير مونتيسكيو.أما فوكو فقد رفض التصور الكلاسيكي للسلطة وجعلها محايثة للجسم الاجتماعي , لأجل ذلك يجب تحليل السلطة كشيء متحرك لا يمكنه الاشتغال إلا عن طريق التسلسل، فهي ليست محلية، و ليست بيد أحد بل تشتغل في إطار شبكة من العلاقات,فالسلطة هي ذلك الجسم المتحرك في الزمان و المكان و الذي يعكس مجموعة من الاستراتيجيات.
المحور الثالث : الدولـة بين الحــق والعنــف