نصوص فلسفية حول الشخص
النص السابع
من وجهة نظري يبدو أنه توجد سلسلة من الحالات الواعية متصلة بعضها مع بعض، بمقدرتي في أي لحظة أن أتذكر تجارب واعية حدثت في الماضي... إن هذا هو العنصر الجوهري في الهوية الشخصية.
السبب الذي يستلزم هذا المعيار بالإضافة إلى الهوية الجسدية هو أنه من السهل لي أن أتصور حالات فيها أجد نفسي في جسد آخر عندما أستيقظ من النوم، و لكن من وجهة نظري سأكون متأكدا أنني الشخص نفسه. أنا أحتفظ بتجارب كجزء من السلسلة، فهي تشتمل على تجارب الذاكرة لحالاتي الماضية الواعية.
ادعى "لــوك" أن هذه هي الصفة الجوهرية في الهوية الشخصية، و سماها الوعي. و لكن التأويل المتعارف عليه الذي كان يقصد هو الذاكرة... و أظن أن هذا ما كان يعنيه "لــوك" عندما قال إن الوعي يؤدي وظيفة جوهرية في تصورنا للهوية الشخصية. و لكن بغض النظر عما إذا كان "لــوك" يقصد هذا المعنى، فإن استمرارية الذاكرة هي على الأقل جزء مهم من تصورنا للهوية الشخصية".
حلل النص و ناقشه.
الامتحان الوطني الموحد. الدورة العادية.2008
" إن النماذج الثقافية تظهر لنا خاصية أساسية و هي أنها غير موجودة عند الولادة في العضوية البيولوجية للكائن البشري، كما أنها لا تنتقل وراثيا من جيل لآخر، فعلى كل جيل أن يكتسب نماذج المجتمع الذي هو مدعو إلى أن يعيش فيه. إن معظم رغبات الإنسان و حاجاته و آماله لا تتكون تلقائيا و تبعا لنوع من الضرورة البيولوجية أو حتى النفسية. إنها تتحدد أو تتجه بحسب التشجيع الذي تلقاه، و المكافآت (الجزاء و العقاب) التي تقدم لها، و تتخد شكلا و تنقش في الشخصية بقدر ما تلقى استجابة مرضية...
إن ما ينتج عن سيرورة التنشئة الاجتماعية أن النماذج الثقافية، مع كونها منتشرة في المجتمع، هي أيضا في الوقت ذاته، داخل الأشخاص أعضاء هذا المجتمع. يضاف إلى ذلك أن سيرورة التنشئة الاجتماعية تلقي الأضواء على أمر واقع هو أن ليس هناك من تعارض أو انقطاع بين الشخص و المجتمع، بين ما هو فردي و ما هو جماعي، و إنما هناك بالأحرى تواصل بينهما و تداخل".
حلل النص و ناقشه.
" إن الدليل الحاسم الذي يستعمله الرأي العام في إنكاره لحرية الإنسان يتمثل في تذكيرنا بعجزنا.فتبعا لهذا الرأي يبدو أننا غير قادرين على تغيير وضعنا حسب مشيئتنا بل هو تغيير أنفسنا .فلا يبدو أنني قادر على قهر أبسط شهواتي و عاداتي.
إن درجة المقاومة التي تمثلها الأشياء هي من الأهمية بحيث يلزم الإنسان سنوات طويلة من المثابرة لتحقيق أدنى نتيجة، بل إنه ليبدو من الضروري"أن يطيع الإنسان الطبيعة ليتحكم فيها"، أي أن يدرج فعله في إطار الحتمية.
إن مثل هذه الحجج لم تحرج أبدا أنصار الحرية إحراجا حقيقيا، ذلك أن في الانبثاق العفوي للحرية و من خلاله فقط يطور العالم و يكشف عن المقاومات التي يمكن أن تجعل الغاية المأمولةغير قابلة للتحقق. إن الإنسان لا يصطدم بعوائق إلا في نطاق حقل حريته".
حلل النص و ناقشه.
" ما هو الأنا؟ عندما يطل إنسان من النافذة من أجل رؤية المارة، و إذا ما مررت أنا من أمام النافذة التي يطل منها ذاك الإنسان، فهل يمكنني أن أقول إن الذي يقف وراء النافذة إنما يقوم بذلك من أجل رؤيتي؟ كلا، لأنه لا يفكر في أنا على وجه الخصوص. و ذاك الذي يحب شخصا لجمال محياه، هل يحبه فعلا؟ كلا، لأن داء الجذري قد يقضي على جماله دون أن يقضي على شخصه، مما قد يدفع بالشخص المحب إعراضه عن الشخص المحبوب.
و إذا كنت أنا محبوبا بسبب سداد رأيي و قوة ذاكرتي، فهل أنا محبوب حقا؟ كلا، لأنني قد أفقد هاتين الصفتين، دون أن أفقد ذاتي. فأين هو إذن ذاك الأنا، إذا لم يكن موجودا لا في الجسم و لا في النفس؟ كيف يمكن إذن أن نحب الجسم أو النفس إن لم تكن تحبهما لتلك الصفات التي لا تشكل الأنا البتة مادامت فانية. فهل نستطيع أن نحب، بصفة مجردة، جوهر النفس مهما كانت الصفات التي تسمها؟ إن هذا أمر غير ممكن و غير عادل. نحن إذن لا نحب أحدا، لكننا نحب صفاته فقط".
حلل النص و ناقشه.
" من الأكيد أننا ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد، و أننا نفس الشخص في كل فترات عمرنا، لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيا و ثابتا؟
لنسجل أن الوقائع تكذب كليا هذه الفرضية. فالإنسان الذي في حالة نوم ليس له أنا، أو على الأقل ليس له إلا أنا متخيل يتبخر عندما يستيقظ، كما أن ضربة واحدة على رأسه تكفي لحفر هوة عميقة بين أنا اليوم و أنا البارحة لأنها تشل ذكرياتنا...
أن نقول بأننا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا معناه أن نقول إننا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة هامة... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا و هما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، و ترابط ذكرياتنا. ذلك أن لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر علينا، أي أن نفس العلامة تسم فعلنا الأخلاقي و تطبع حالاتنا الداخلية بطابع شخصي... إضافة إلى ذلك فإن ذكرياتنا تشكل على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الآطراف: فنحن نرى أن حالتنا النفسية الحالية تتولد من حالاتنا النفسية السابقة. و هذه من سابقتها... و هكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي و يمتلكه و يربطه بالحاضر..." .
حلل النص و ناقشه
" الإنسان... كائن خاضع لمجموعة من الحتميات تشرطه كليا: ففكره، و أفعاله، و سلوكه هي منتوجات لقوانين الكون(الفيزياء)، و لقوانين الجماعة(المجتمع) و لقوانين الفكر الرمزي(الثقافة). و على النقيض من الوهم الشائع اليوم، فالعلم و التقنية بدل أن يحررا الإنسان من الحتميات الكونية، فإنهما لم ينجحا إلا في جعله أكثر وعيا بقوة هذه الحتميات. و حتى في القديم، أي عصر هيمنة الأسطورة، لم يكن الإنسان أكثر حرية مما هو اليوم، بل كانت صفته الإنسانية نفسها تجعل منه عبدا. و بما أن سلطته على الطبيعة كانت محدودة... فهو لم يكن حرا حتى في أحلامه و أساطيره..."
حلل النص و ناقشه.
" يحاول المجتمع أن يكون شخصية الطفل حسب نماذج موضوعة مسبقا. حتى إذا نما و تطور و خرج إلى أقرانه يلعب معهم وجد أن هناك قواعد تحكم اللعب و الصراع، و عندما يلتحق الطفل بالمدرسة، يكون وجها لوجه أمام ثقافة المجتمع و معلميه الذين يحاولون جاهدين تشكيل سلوكه و تصرفاته و تكوين فكره و معاييره و قيمه، و بالتالي شخصيته. فإذا خرج الطفل من مدرسته واجه المؤسسات الاجتماعية الأخرى: الإعلامية و العقابية، و الترفيهية و غيرها كلها تحمل طابع المجتمع تقدمه للشخص... هذه العملية تستمر شطرا عظيما من حياة الفرد، هي ما يسمى بعملية التطبيع الاجتماعي. و من خلال هذه العملية يشكل المجتمع شخصية أفراده حسب النعايير و القيم السائدة فيه."
حلل النص و ناقشه.
" لكي نهتدي إلى ما يكون الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، هو كائن مفكر عاقل قادر على التعقل و التأمل و على الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، و أنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة و أمكنة مختلفة. و وسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. و هذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر بل هو، فيما يبدو لي، ضروري و أساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن(بشري) كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا و إدراكاتنا الراهنة، و بها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته(...)إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، و كان هذا ما يجعل كل واحد هو نفسه، و يتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى هو هو ."
حلل و ناقش.
أما أن الشخصية وحدة، فهذا لا ريب فيه. إلا أن مثل هذا القول لا يعلمني شيئا عن الطبيعة العجيبة لهذه الوحدة التي هي الشخص. و أما أن الذات كثيرة، فإنني أوافق على هذا أيضا، إلا أننا هنا إزاء كثرة ينبغي أن تعرف بأنها لا تشبه أية كثرة أخرى. و الذي يهم الفلسفة حقا هو أن نعرف، أية وحدة، و أية كثرة، و أية حقيقة فوق الواحد و الكثير، هي هذه الوحدة المتكثرة التي للشخص. و الفلسفة لن تعرف هذا إلا إذا هي قبضت على الحدس البسيط الذي به تدرك الذات ذاتها. و بعدئذ تستطيع، تبعا للمنحدر الذي تختاره للهبوط من هذه القمة، أن تصل إلى الوحدة أو إلى الكثرة أو إلى مفهوم من المفاهيم التي بها نحاول أن نعرف الحياة المحركة التي يحياها الشخص. و لكننا نعود و نكرر أنه ما من خليط من هذه المفاهيم يمكن أن يعطينا شيئا يشبه الشخص الذي يدوم."
حلل النص و ناقشه.
الامتحان الوطني الموحد(الدورة العادية): 2011. شعبة الآداب و العلوم الإنسانية: مسلك الآداب.
المرجع: برغسون:"الفكر و الواقع المتحرك"، ترجمة سامي الدروبي، بدمشق، بدون تاريخ، ص: 196.
" إن مختلف الأوساط التي ينتمي إليها كل شخص أو التي يحيل عليها، هي التي ينمي بواسطتها هويته، أي حقيقته كشخص فردي و اجتماعي معا. إن ما يمكن أن نطلق عليه"الشخصية الاجتماعية" هو في نهاية المطاف تلك الهوية التي تضمن للشخص مكانا في المجتمع، كما تضمن لوجوده و لأفعاله نوعا من الوحدة و الانسجام. فالهوية ضرورية نفسيا و اجتماعيا على حد سواء: فهي تساهم في الاستقرار النفسي و تشكل شرطا أساسيا لنضج الشخصية و اكتمالها. كما أنها الشرط اللازم لكي ينخرط أي شخص من الأشخاص في محيطه الاجتماعي بشكل منسجم، و لكي تحقق الجماعات أيضا تماسكا. فكل شخص إلا و يتحدد و يتصرف في جانب من جوانبه بواسطة هوياته الاجتماعية المختلفة، الوطنية منها و الإثنية و الدينية و المهنية و الطبقية و الإقليمية، إلخ."
حلل النص و ناقشه.
" لا يمكن تفسير تصرف فرد من الأفراد دون أن ندخل في الاعتبار الوسط الاجتماعي الذي يمارس عليه تأثيرا يحدد تصرفه و يدعوه للانخراط فيه. ففي المجال الاجتماعي توجد، بالفعل، جملة من المثيرات و الموانع و النماذج التي تحدد نشاط الفرد و تصرفاته، و تسهم في تنشئة شخصيته و تمكنها من ترسيخ قدمها في الواقع.
و بما أن مفهوم الثقافة يعبر عن مجموعة من المعايير و القيم و السلوكات النمطية التي تعكس أسلوب حياة الجماعة، فإنه يشكل أداة ممتازة لتحليل التنشئة الاجتماعية لشخصية الفرد. فلفظ الثقافة يدل على ما يجد أساسا له في البنيات الاجتماعية، و يتدخل مباشرة في بناء سلوكات أفراد المجتمع. و على هذا الأساس يتجلى المكون الثقافي بوصفه مكونا اجتماعيا متجسدا في تصرفات الأفراد.
يدفعنا ذلك إلى القول إذن إن الشخصية ترتبط بعلاقة تبعية تامة مع الثقافة."
حلل النص و ناقشه.
(امتحان وطني.د:يونيو2003.د: العادية.ش:ع.تجريبية و رياضية و زراعية).
" إن المعيار الغالب للحكم على أن الشخص هو هو، كما يرى الحس العام، هو استمرارية الجسد المادية عبر الزمن، و هو المعيار نفسه الذي نستخدمه للحكم على أن الدراجات الهوائية أو غيرها هي نفسها دون سواها. أما إذا تحدثنا بخلاف ذلك، فإن حديثنا سيكون على سبيل الاستعارة(كأن أقول أنا إنسان جديد)، فلو صح هذا القول لما كان بوسعي التفوه به. و حقيقة أننا نشعر أن هويتنا الجسدية عبر الزمن أمر معقد و أنها تتأكد من خلال المعرفة الداخلية بماضينا التي تأتي بها الذاكرة. يجب ألا يثير دهشتنا على الإطلاق كون الذاكرة نفسها تتصل بالضرورة بأدمغتنا و بأجسادنا. و إذا كانت ذكرى الماضي قد سببها ما حدث لنا، أي ما حدث لأجسادنا و أدمغتنا، فمن غير المدهش أن استمرارية هذه الأجساد عبر الزمن يجب في بعض الأحيان على الأقل، أن يتأكد من خلال معيار الذاكرة."
حلل النص و ناقشه.
( امتحان وطني.د. العادية 2010.كل مسالك الشعب العلمية و التقنية و الأصيلة).