منهجية الشعر الحديث ثاني ثانوي علوم إنسانية
القسـ 2 ـم : نحو شكل جديد
فجاء القسم الثاني من الفصل الأول ليحدد معالم هذا الشكل الجديد فكانت البداية مع مصالحة الشاعر لذاته ومجتمعه مع ما تطلبه ذلك من تحولات في القصيدة العربية سواء على مستوى اللغة ، وذلك بالانتقال من قوة ومتانة اللغة الإحيائية إلى لغة سهلة ميسرة دون ابتذال ، وقد كانت عند عباس محمود العقاد لغة الشعر عنده أقرب من لغة الحديث (ص:37 ) أما إيليا أبو ماضي فلغة الشعر عنده اتخذت شكلا نثريا محضا (ص: 38 ) ، أو على مستوى الصورة إذ أصبحت للصورة الشعرية وظيفة بيانية تخص التجربة ، بدل الوظيفة التزيينية التي تخص الذاكرة عند الإحيائيين (ص40ـ41 ).
وكان الاهتمام بالوحدة العضوية واضحا عند أنصار الشكل الجديد عبر الربط بين الأحاسيس والأفكار مما جعل القصيدة كائنا واحدا ( وحدة الفكرة ووحدة العاطفة وتسلسل الأفكار في إطار الموضوع الواحد ) وقد نتج عن الربط بين المضمون والشكل الفني ربط القافية والوزن بالأفكار والعواطف الجزئية. فتولد عن ذلك انسجام القافية مع عواطف الشاعر تتبدل بتبدلها (ص : 46) .
إلا أن هذا التوجه الجديد لقي مواجهة عنيفة تتمثل في رفض الخروج عن اللغة العربية الأصيلة والتشبث بالقافية العربية مما حد من وثيرة التجديد وجعله يتوقف عند المستوى الذي وصل إليه (ص:49) ، إضافة إلى عوامل داخلية عجلت بنهاية التجربة الذاتية : فعلى مستوى المضمون : نجد انحدار الشعراء إلى البكاء والأنين إلى حد الضعف ، أما على مستوى الشكل فيتمثل في الفشل في وضع مقومات خاصة بالتجربة الذاتية
الفصل الثاني : تجربة الغربة و الضياع
وقد جاء الفصل الثاني ليضع تجربة الشكل الجديد للشعر العربي تحت المجهر ويقرب لنا مواضيعه وتجاربه و فحصها من الداخل، والبداية كانت مع تجربة الغربة والضياع التي كانت عاملا من عوامل التحول ساهمت في ترسيخها نكبة فلسطين (1948) التي زعزعت الثقة بالموروث العربي القديم (ص:56) ، فاستغل الشاعر الفرصة للتحرر من سلطة الشعر التقليدي (ص:56) ، و انخرط في التخطيط والتدبير بدل التفرج والاجترار، و قد جعله تنوع مصادر ثقافته ـ بين العربية و الغربية ـ في مستوى الحدث والتطلع عبر مساهمته في إنتاج الفكر و المواقف (ص:59) ، معتمدا التاريخ والحضارة والأسطورة العالمية في التعبير عن هموم الإنسان العربي (ص:60).
فقوة التحول في الشعر الحديث كانت بحجم قوة النكبة (ص: 62)، وارتباط وثيرة التجديد في شكل القصيدة بتواصل النكبات ،حتى أصبح عدم التوقف عند شكل محدد علامة صحية تضمن استمرار التطور و التجديد، يضاف إلى ذلك تأثر الشاعر بأعمال بعض الشعراء الغربيين و ببعض الروائيين و المسرحيين الوجوديين ، فعرفت الغربة عدة مظاهر في تجربة الشعر الحديث :
-> الغربة في الكون : فقدان الأرض والهوية وما صاحبها من ذل وهوان .
-> الغربة في المدينة : مسخ المدينة وطمس هويتها مع الغزو الغربي عمق غربة الشاعر في وطنه .
-> الغربة في الحب : فشل التعايش وتحقيق السكينة حول الحب إلى عداوة قاتلة (ص:76) .
-> الغربة في الكلمة : عجز الكلمة عن احتواء أزمة الشاعر ومعاكستها لرغبته.
كما اعتمد الشاعر عدة آليات للتعبير عن هذه الغربة كتوظيف الرمز و الأسطورة بكثافة لاختزال تجربة الغربة و الضياع (ص:88) إلى حد إقرار الشاعر بحقيقة الموت : موت الأمة وموت الكلمة (ص:91) مع السعي إلى الخروج من الضياع نحو اليقظة و البعث
الفصل الثالث : تجربة الحياة و الموت
إلا أن التجاذب بين أمل البعث وخيبة الإخفاق، هيأ لدخول الشاعر في تجربة جديدة هي تجربة الموت والحياة نتتبع أطوارها مع الفصل الثالث حيث يتجاوز الشاعر مرحلة الغربة والضياع نحو الموت المفضي إلى البعث، فتم ربط نجاح تجربة الشاعر بمدى إيمانه بجدلية الموت والحياة ، واعتبار الشاعر الحقيقي هو من يواجه الموت بكل قواه كمعبر إلى الحياة، و اعتبر الشعراء أن تجربة الغربة مشدودة إلى الحاضر بينما تجربة الموت والحياة مشدودة إلى المستقبل . فتحول الشاعر إلى مصدر الحكمة والتوجيه والحياة المتجددة ، مع التركيز على الرمز والأسطورة بمختلف مصادرها لنقل تجربته .
||> فالشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) يرى أن التحول يمر عبر الحياة والموت و ربط الشاعر بالأمة، فالتجربة " التقت فيها ذات الشاعر بذات أمته العربية " ص 118 ، وقد اعتماد الشاعر أدونيس على أسطورة الفنيق و مهيار لتأكيد امكانية الموت والبعث .
||> أما الشاعر خليل حاوي فقد خاض معاناة الحياة و الموت عندما رفض التحول و أقام مقامه مبدأ المعاناة (معاناة الموت و معاناة البعث) إلا أن الشاعر يئس من البعث أمام التفسخ الذي يثمر الموت فاعتمد على أسطورة تموز للدلالة على الخراب والدمار، وإمكانية البعث مع العنقاء، ليقر بالبعث في النهاية ويحصره في الأجيال الجديدة وقد ربط الفشل في تحقيق البعث بتشبث الإنسان العربي بالتقاليد ، و تحقيق البعث مرهون بالقضاء على هذه التقاليد ص 144 . ويرى أن معاكسة الزمن لطموحه كان سببا في فشله ص 146 .
||> أما الشاعر بدر شاكر السياب فتبنى طبيعة الفداء في الموت ،ويرى أن الخلاص لا يكون إلا بالموت، فالموت شرط البعث ، و ربط بعث الأمة بموت الفرد و موت العدو لا يثمر بعثا.
||> بينما الشاعر عبد الوهاب البياتي فقد تأرجح بين جدلية الأمل واليأس ، فيرى أن جدلية الموت والحياة من شأنها أن تخلق الشاعر الثوري ص 170 . وقد مرت تجربة الشاعر بثلاث منحنيات ص 171 :
=> المنحنى الأول (منحنى الأمل) : انتصار ساحق للحياة على الموت . موت المناضل انتصار للحياة.
=> المنحنى الثاني (منحنى الانتظار) : التساوي بين الحياة والموت . يبدأ بخط الحياة وينتهي بخط الموت .
=> المنحنى الثالث (منحنى الشك) : انتصار الموت على الحياة . الشك في الحقائق والوقائع والبعث الزائف.
وينتهي الكاتب في خاتمة الفصل إلى استخلاص آثار التجربة على الشاعر العربي أهمها : اشتراك الشعراء في الإحساس بمعنى الحياة والموت ، و حلول ذات الشاعر في ذات الجماعة كموقف موحد، إلا أن عدم اهتمام المسؤولين بتنبؤات الشعراء كان وراء النكسة رغم قيام الشاعر بالمهام المنوطة به في كشف الواقع و استشراف المستقبل.
إضافة إلى أسباب أخرى ساهمت في عجز الشاعر عن التواصل مع الجمهور منها :
- عامل ديني قومي : الشك في التيار الشعري من أن يكون يحاول تشويه الشخصية الدينية القومية.
- عامل ثقافي : التشبث بالشعر القديم ورفض التجديد.
- عامل سياسي : خوف الحكام من المضامين الثورية ،ومحاربتهم الشعراء المحدثين.
- عامل تقني : الوسائل الفنية المستحدثة حالت بين الشاعر والمتلقي