مقالة جدلية حول الذاكرة
السؤال :
إذا كنت أمام موقفين متعارضين أحدهما يقول الذاكرة مرتبطة بالدماغوالأخر يقول الذاكرة أساسها نفسي وطلب منك الفصل والبحث عن الحل فما عساكتصنع؟
المقدمة : طرح الإشكالية
يتعامل ويتفاعل الإنسان مع العالم الخارجي بما فيه من أشياء مادية وأفراديشكلون محيطه الاجتماعي ,يتجلى ذلك في سلوكات بعضها ظاهري والأخر باطنيالمتمثل في الحياة النفسية والتي من مكوناتها << الذاكرة>> ,فإذا كنا أمام موقفين متعارضين أحدهما أرجع الذاكرة إلى الدماغ ,والأخرربطها بالعوامل النفسية فالمشكلة المطروحة: هل أساس الذاكرة مادي أم نفسي ؟
التحليل:
عرض الأطروحة الأولى
ربطت النظرية المادية بين الذاكرة والدماغ فهي في نظرهم ظاهرة بيولوجية , أي أساس حفظ واسترجاع الذكريات"فيزيولوجي"وهذا ما ذهبإليهريبو الذي قال >> الذاكرة حادثة بيولوجية بالماهية << حيث أرجع الذاكرة إلى الجملة العصبية وحدٌد 600مليون خلية عصبية في نظرههي المسؤولية على الحفظ و الاسترجاع بحكم المرونة التي تتصف بها , فمثلهاتحتفظ مادة الشمع بما يطبع عليها, كذلك الخلايا العصبية تحتفظ بالأسماءوالصور والأماكن ومن الحجج التي تذمم هذه الأطروحة>> تجارب بروكا << الذي أثبت أن إصابة الدماغ بنزيف يؤدي إلى خلل في الذاكرة, مثلالفتاة التي أصيبت برصاصة في الجدار الأيسر من دماغها أصبحت لا تتذكر ولاتتعرف على الأشياء التي توضع في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها , كما ترتبطهذه الأطروحة بالفيلسوف ابن سينا الذي قال >> الذاكرة محلها التجويفالأخير من الدماغ >> , << ونفس التفسير نجده في العصر الحديث عندالفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أرجع الذاكرة إلى الجسم وهذا واضح في قوله"تكمن الذاكرة في ثنايا الجسم"
النقــــــد:
هذه الأطروحة نزعت من الذاكرة"الجانب الشعوري"والإنسان عندما يتذكر فإنه يسترجع الماضي بما فيه من مشاعر وانفعالات.
عرض الأطروحة الثانية
يرى أصحاب النظرية النفسية أن الذاكرة تتبع الشعور الذي يربط الحاضربالماضي وذلك من أجل وشم معالم المستقبل وحجتهم في ذلك أن الذكريات عبارةعن<أفكار , تصورات, حالات نفسية >, وهي معنوية وليست من طبيعةمادية تعود هذه الأطروحة إلى الفرنسي برغسونالذي قسم الذاكرة إلى قسمين : "ذاكرة حركية"أطلق عليها مصطلح العادة"<وذاكرة نفسية"وصفها بأنها ذاكرة حقيقية , وحجته التي استند إليها في ربط الذاكرةبالجانب النفسي أن فاقد الذاكرة يستعيدها تحت تأثير صدمة نفسية كما يثبتذلك الواقع , لذلك قال في كتابه:الذاكرة والمادة"الانفعالاتالقوية من شأنها أن تعيد إلينا الذكريات التي اعتقدنا أنها ضاعت إلى الأبد"وفسرت هذه النظرية استرجاع بقانون"تداعي الأفكار"حيثقال جميل صليبا"في كل عنصر نفسي ميل إلى استرجاع ذكريات المجموعة النفسية التي هو أحدأجزائها"ومن الأمثلة التوضيحية أنة الأم التي ترى لباس ابنهاالبعيد عنها تسترجع مجموعة من الذكريات الحزينة , وهذا يثبت الطابع النفسيللذاكرة .
النقــــد:
النظرية النفسية رغم تبريرها لكيفية استرجاع الذكريات إلا أنها عجزت عن تحديد مكان تواجد الذكريات
التركيب :
الذاكرة محصلة لتفاعل العوامل المادية والنفسية والاجتماعية , هذا الأخيريساهم في استرجاع الذكريات كما قال هال فاكس"عندما أتذكر فإنالغير هم الذين يدفعونني إلى التذكر"ولكن بشرط سلامة الجملةالعصبية <الدماغ> ,فقد أكد الأطباء استحالة استرجاع الذكريات دونتدخل الدماغ دون إهمال العوامل النفسية هذا الحل التوفيقي لخصه"دولاكروا"في قوله"الذاكرة نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص".
الخاتمة :
ومجمل القول أن الذاكرة قدرة تدل على الحفظ والاسترجاع ولكن الإشكالية لاترتبط بمفهوم الذاكرة بل بالأساس الذي يبني عليه , فهناك من ربطها بشروطنفسية وكمخرج للمشكلة نستنتج أن :
الذاكرة محصلة لتفاعل العوامل المادية والاجتماعية والنفسية.