دولة الأمير ارصلان يوسف والدولة السلجوقية
منذ بطش هارون الرشيد بالبرامكة في أواخر
القرن الثاني الهجري ،اهتزت مكانة الفرس في الدولة العباسية، وشيئاً فشيئاً بدأ نفوذهم بالانحسار ليحل محلهم تدريجياً ،العنصر التركي الذي بدأ على استحياءٍ بالدخول في الإسلام ،ومن ثم الدخول في خدمة خلفاء بني العباس ،وازداد نفوذهم بمرور الوقت خاصةً في عهد الخليفة المعتصم -الذي كان أخواله من الترك- وما بعده ،حتى صار منهم مقدمي العساكر وقادة الجيوش ..
ولما كان انقسام الدولة الإسلامية هو السمة المميزة لعصر العباسيين ،ونشأت دولٌ عربيةٌ مستقلةٌ في أماكن قصيةٍ عصيةٍ على قبضة بغداد كالأمويين في الأندلس والأدارسة في المغرب ،فقد انتقلت العدوى إلى أجناسٍ أخرى في المشرق القريب من بغداد وهي الأجناس التي اعتمد عليها العباسيون أنفسهم في قيام دولتهم وبسط نفوذهم!!.. فأقام الديلم دولة بني بويه الشيعية التي طغى نفوذها على نفوذ الخليفة نفسه ،وأنشأ بقايا الفرس الدولة السامانية في بخارى وما وراء النهر.. ثم دخل الأتراك اللعبة لينشئوا الدول المستقلة هنا وهناك ،مستغلين تدهور سلطة الخليفة في بغداد ،فكان منهم الدولة الطولونية في مصر ،والدولة الكرخانية (القراخانية) في ما وراء النهر ،والتي -بطبيعة الحال- اصطدمت بالسامانيين الفرس في ذات المنطقة ،ودخلت معهم في صراعاتٍ عسكريةٍ طويلة..
وبعيداً وفي بلاد التركستان، كان هناك رجلٌ يدعى سَلجوق بن دقاق (وقيل تقاق أو يقاق) من قبيلة تركية يقال لها قنق ،تنتمي إلى القبائل التركية التي أسماها العرب "الغُز" ،أو كما يطلق الأتراك أنفسهم عليها الاسم الشهير "الأوغوز".. كان سَلجوق خلفاً لأبيه يخدم الخان بيغو أحد خانات تركستان الوثنيين ،وكان وزيراً له وقائداً لجيشه، وأطلق عليه بيغو لقب صوباشي، ومع ذلك فقد كان مثل أبيه دقاق سيداً في قومه..
وبسبب تحريض زوجة الخان إياه على سَلجوق خوفاً من نفوذه المتنامي ،هجر الأخير بقبيلته أراضي تركستان كلها متجهاً إلى بلاد ما وراء النهر ،لينزل في مدينة جند في الوادي الأدنى لنهر سيحون..
- صراع السلاجقة والكرخانيون
وهناك ،دخل سَلجوق وقومه في الصراع الدائر بين السامانيين والقراخانيين، وانحازوا إلى جانب الأُوَل وساعدوهم في حربهم ليصبحوا بعدها أصدقاءً للسامانيين ويأخذوا عنهم الدين الإسلامي وفق المذهب الحنفي ،وهو المذهب الذي اعتمده الأتراك بعد ذلك.. وأتاح السامانيون لسَلجوق وقومه العبور في أراضيهم فنزلوا بإحدى قرى بخارى الكبيرة وهي قرية نور بخارى..
ونشبت معاركٌ عديدةٌ بين سلجوق من جهة وبين الأتراك الوثنيين المغيرين على المسلمين من سكان هذه المناطق من جهة أخرى.. واكتسب سلجوق سمعةً وهيبةً ،وزادت قوته وقوة بنيه وقوة قبيلته التي حملت اسمه.. وبعد وفاته ظل بنوه حلفاء للسامانيين وفي خدمتهم رغم حدوث بعض الاضطراب في العلاقة بينهم في عهد آخر ملوك السامانيين المنتصر الساماني ،إلا أنهم عادوا وحالفوه بعد ذلك ضد أعداءه..
في ذلك الوقت كانت الدولة الغزنوية (التركية أيضاً) قد بلغت مبلغاً عظيماً من القوة ،وتوسعت خاصةً في عهد سلطانها الأعظم يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي، توسعت بعيداً عن عاصمتها غزنة ،ووقعت صدامات عدة بين محمود الغزنوي والمنتصر الساماني، انتهت بقتل المنتصر وقضاء الغزنويين على السيادة السامانية واكتساحهم لأراضيها..
وكانت قوة السلاجقة آخذة في الزيادة يوماً تلو الآخر ،فتحالفوا مع علي تكين الذي خرج على يمين الدولة محمود الغزنوي واستولى على بخارى لصالحه.. فسار إليهم الغزنوي بجحافله ،فهربوا جميعاً من أراضي ما وراء النهر..
بعد ذلك أراد الغزنوي التخلص من الصداع الذي يسببه له السلاجقة ،والتقت رغبته تلك مع رغبة ملك القراخانيين قادر خان يوسف، فاتفق الطرفان على وقف الحرب التي نشبت بينهما على ميراث الدولة السامانية الصريعة ،وتصاهرا ضماناً لاستمرار هذا الاتفاق ،حيث توافقا على التخلص من السلاجقة قبل أن يشكلوا خطراً داهماً على سلطتيهما في ما وراء النهر..
بعدها ،استدعى يمين الدولة كبير السلاجقة إسرائيل (أرسلان) بن سلجوق ورجاله ،قيل أنه دعاهم لوليمة ،ثم غدر بهم وقبض على إسرائيل وسجنه في قلعة كالنجر لسنين عديدة حتى مات كمداً ،ونكل برجاله.. فعزم ميكائيل الأخ الأصغر لإسرائيل على الانتقام لأخيه.. لكن قوة محمود الغزنوي كانت كاسحة، بينما ضعفت قوة السلاجقة بعد ما حدث لهم.. فتقرر تأجيل الانتقام إلى وقتٍ لاحق...