تاريخ قبائل الصحراء المغربية والعد التنازلي باختصار نحو الاستعمار
منذ انهيار امبراطورية الموحدين عام 1269 م دخلت المنطقة مرحلة الضعف وكانت أولى بوادره تعددية مراكز السلطة (بنومرين في المغرب الأقصى ، بَنُوزيَّان في الجزائر ، بنو الأحمر في الأندلس) .
وأخذ الوضع السياسي يأخذ شكل علاقات متناقضة وتحالفات متغيرة تدفع بني زيان إلى محاربة المرينيين أحياناً ، وتدفع بني الأحمر إلى التحالف مع المسيحيين ضد بني مرين أحياناً أخرى .
وفي نفس الوقت كانت بوادر استراتيجية أوربية غربية مسيحية تتكون على أساس توحيد شبة جزيرة "إيبريا " وعزل بني الأحمر عن مراكز القوة الإسلامية في المنطقة تمهيداً لطرد العرب من أسبانيا ، ثم التقدم لاحتلال المناطق الساحلية لأفريقيا الشمالية تمهيداً للسيطرة عليها .
وقد بدأت الخطوات الأولى لتنفيذ هذه الاستراتيجية بإشراف الكنيسة الكاثوليكية ، وذلك بتوحيد الممالك الصغيرة في استورياس ، وأراغون ، وقشتالة ، وتوجت باتفاقية طور ديسياس سنة 1494م التي مهدت لقيام سياسة مشتركة لتقسيم أفريقيا عام 1509 م والتي أخذت شكلها الكامل بقيام وحدة شبه الجزيرة الإيبيرية تحت عرش فليب الثاني ملك أسبانيا عام 1580 م ، الأمر الذي انتج أسبانيا موحدة وقوية في وجه مغرب ضعيف ومفتت ، ثم تلتها الخطوات التالية بقيام الوحدة البرتغالية ـ الإسبانية على أسس استعمارية قوامها احتلال الشواطئ المغربية واتخاذها منطلقاً للدفاع عن الوحدة المسيحية في مواجهة إسلام دائم الاستنفار .
وفي نفس الفترة بدأت عمليات التدخل الإسباني في الصحراء الغربية المغربية مستغلة انكفاء السلطة المركزية على نفسها ، وانحسار نفوذها عن شواطئها الشمالية وانشغالها بمكافحة الأتراك في الشرق (الجزائر) والمسيحيين في الشمال والثورات الداخلية في السهول والجبال .
ففي عام 1504 م قام الإسبان بأول غزو للصحراء الغربية المغربية انطلاقاً من جزر الكناري حيث نهبوا قافلة لقبيلة "تكنة" في عملية بحثهم عن الذهب والعبيد .
في أواسط القرن الخامس عشر (1476 م) أنشأت أسبانيا برجاً في مصب وادي الشبيكة أطلقت عليه "Santa CRUZ De Mar PEQUENA " .
وفي سنة 1492 م استرجعه المغاربة ، ولكن الأسبان أعادوا بناءه سنة 1496 م ، فاسترجعه المغاربة مرة أخرى سنة 1517 م ، ثم أعاد الأسبان احتلاله في نفس السنة ، ولم يسترجعه المغاربة إلا في سنة 1527 م .
ومرت 240 سنة على تحطيم البرج بعد استرجاعه من طرف المغاربة ، حين حط بنفس المكان الإنجليزي "كلاص" سنة 1764 فطرده المغاربة .
وأثناء المفاوضات الإسبانية المغربية سنة 1766 م على يد السفير المغربي أحمد الغزال كان من بين المطالب التي قدمها الملك كارلوس الثالث الإذن بإعادة بناء البرج "SANTA CRUZ" . ونصت الاتفاقية بين الطرفين في نصها العربي على أن المغرب لا يوافق على طلب الأسبان ولكن محرر النص الإسباني أثبت أن البرج خارج حدود المملكة المغربية …
ومرت 93 سنة دون أن تتمكن أسبانيا من بناء البرج ـ رغم خديعتها للمغرب بالنص الأسباني ـ إلى أن أعلنت الحرب على المغرب سنة 1859 وهزم الجيش المغربي في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن فعرضت عليه السلطات الأسبانية ، صلحاً يقضي بأن يسلم إلى أسبانيا قطعة أرض لإنشاء مركز صيد في المكان الذي كان يوجد فيه برج سانتا كروز سنة 1478م ، ودون أن يعرف المفاوض المغربي ولا الإسباني المكان الذي كان فيه البرج ، وإنما نصت المعاهدة على أن تقوم لجنة مشتركة بتعيين موقعه .
وفي سنة 1879 نزل بطرفاية الإنجليزي Mackenzic ، مدعيا أن الأرض خلاء ، رغم احتجاجات المغرب المتوالية التي أيده فيها الأسبان لأبعاد تاكتيكية ، والتي قدمها نائب السلطان بطنجة إلى سفراء الدول المعتمدين هناك يوم 28/1/1879 .
وفي يوم 3 نوفمبر 1884 قررت أسبانيا أخذ ما نصت عليه المعاهدة قسراً ، فنـزل في منطقة الداخلة الأسباني RONELLI وأنشأ كوخاً من خشب جعله مركزاً للتجارة باسم شركة تجارية أسبانية
وفي يوم 26 ديسمبر 1884 أعلنت الحكومة الأسبانية للدول الأوربية نزولها بالداخلة وبسط حمايتها عليها دون أن تخبر المغرب إلا أن المغاربة استطاعوا طرد الأسبان من المركز في 9 مارس 1885 م .فاحتجت أسبانيا يوم 16 إبريل على الاعتداء المغربي ، فأجابها المغرب بأنه كان قد حذر من عواقب نزول الأجانب بالشواطئ المغربية وإذاك قررت أسبانيا استخدام القوات العسكرية ، فأرسلت مع بونيلي كتيبة عسكرية تحت قيادة ضابط يوم 8 يونيو 1885 … ومنذ ذلك الوقت ظل المركز يتعرض لمحاولات التحرير (سنة 1886 ـ 1887 ـ1888 ـ 1889 ـ 1890 ـ1892 ـ 1894) .
وفي يوم 13 مارس 1895 أبرمت بين المغرب وبريطانيا العظمى معاهدة مراكش التي استرجع المغرب بمقتضاها المنطقة التي كان الإنجليزي ماكينزي قد أنشأها بطرفاية .
وفي يوم 20 يوليوز سنة 1900 م أبرم بمراكش بروتوكول مغربي أسباني ينص على أن يعهد إلى لجنة مشتركة بالبحث عن مكان يقام فيه مركز للصيد المتفق عليه في معاهدة تطوان ، 26-4-1860 ، وأن ذلك سيكون بالشاطئ المغربي الممتد من راس جوبي ـ في طرفاية إلى راس بوجادور بالساقية الحمراء ، وهذا اعتراف ضمني بأن الصحراء مغربية يضاف إلى اعتراف بريطانيا في المعاهدة السابقة (معاهدة مراكش 13-3-1895) .
وفي نفس الوقت كانت أسبانيا تفاوض فرنسا من أجل اقتسام الأرض المغربية برمتها ووقع الطرفان يوم 27-6-1900 بباريس معاهدة جزئية خاصة بالصحراء تأخذ بمقتضاها أسبانيا وادي الذهب من الرأس الأبيض في الجنوب إلى رأس بوجادور في الشمال .
وفي يوم 11/11/1902 تم الاتفاق بين أسبانيا وفرنسا على اقتسام باقي الأراضي المغربية على أن تكون لأسبانيا منطقتان محميتان واحدة بشمال البلاد ، وأخرى بجنوبها ، والجنوبية تمتد من رأس "غير" قرب أكادير إلى راس بوجدور بالساقية الحمراء ، إلا أن البرلمان الأسباني لم يوافق على المعاهدة .
وفي 8 أكتوبر 1904 كانت بين فرنسا وأسبانيا معاهدة سرية لاقتسام المغرب على أن تكون لإسبانيا منطقة شمالية (سلسلة جبال الريف وشاطئ الأبيض المتوسط) ومنطقة جنوبية (من رأس بوجدور جنوباً إلى قرب أكادير شمالاً) ولكن هذه المعاهدة لم يتم تنفيذها إلا بعد عقد معاهدة مدريد 27/11/1912 التي تمت بعد صفقة مقايضة بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا ، تتنازل فيها فرنسا لبريطانيا وإيطاليا وألمانيا على حقها في احتلال طرابلس ومصر والكونغو ، على أن تتنازل هذه الدول لفرنسا عن حقها في احتلال الشمال الأفريقي . وكان على أسبانيا نتيجة هذه الصفقة أن تعوض لفرنسا بالتنازل لها عن بعض التراب المغربي الذي حصلت عليه بمقتضى معاهدة 8 أكتوبر 1908 .
وبعد أن فرضت الحماية على المغرب في 30 مارس 1912 نفذ الاتفاق الفرنسي الأسباني على تقسيم المغرب بينهما ، فكان لأسبانيا منطقة بالشمال ـ الشريط الساحلي على الأبيض المتوسط وجبال الريف في امتداد جنوبي إلى سوق أربعاء الغرب - ومنطقة بالجنوب هي الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وبقي لفرنسا ما دون ذلك (ما بين سوق الأربعاء شمالاً إلى قرب إيفنى جنوباً ، ومنطقة شنقيط (موريطانيا) .
وبمقتضى عقد الحماية وقع الاتفاق بين الأسبان والفرنسيين والمملكة المغربية على أن يكون للملك خليفة في مناطق النفوذ الأسباني ، وعين بمقتضى ذلك الأمير المهدي بن إسماعيل بظهير سلطاني يوم 14 مايو 1913 ، ثم أخذ الخليفة السلطاني يعين نوابا عنه في مناطق النفوذ الأسباني ، فعين في راس جوبي سالك بن عبد الله بظهير خليفي بتاريخ 22/12/1917 ، وعين محمد الأغضف بن الشيخ ماء العينين على أفني بظهير خليفي بتاريخ 1/10/1934 …الخ .
وبذلك بقيت الصحراء المغربية تحت السيادة الإسمية للمغرب برغم معاهدة الحماية الفرنسية والأسبانية .
ثم بمقتضى التصريح المشترك المغربي الأسباني يوم 7/4/1956 الذي اعترفت فيه أسبانيا باستقلال المغرب والتزامها بوحدته الترابية ، كان على أسبانيا أن تغادر المنطقة -الصحراء الغربية ـ وتردها إلى المغرب ، لكنها بدل ذلك أعلنت عن ضم الصحراء كلها (افني ـ طرفاية ، الساقية الحمراء ، وادي الذهب) إلى التراب الأسباني بمرسوم فرانكو ليوم 10-1-1958 ، واحتاج المغرب إلى صراع سياسي دام عشر سنوات لينتزع من أسبانيا منطقتي أفني ، وطرفاية ، بمعاهدة فاس ليوم 4/1/1969
تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة وهي كالتالي إعادة سرد القبائل الصحراوية
#الرقيبات