0 تصويتات
في تصنيف ثقافة بواسطة

موقف السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر من الأمير شكيب أرسلان والإمام البشير الإبراهيمي ومن هو شكيب أرسلان والبشير الابراهيمي 

موقف السلطات الاستعمارية الفرنسية من الأمير شكيب أرسلان والإمام البشير الإبراهيمي:

موقف السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر من الأمير شكيب أرسلان والإمام البشير الإبراهيمي ومن هو شكيب أرسلان والبشير الابراهيمي

يسلط هذا المقال الضوء،على جانب من السياسة الاستعمارية الفرنسية، إزاء النخبة المثقفة في البلاد العربية و الإسلامية، التي أخذت على عاتقها مهمة مقاومة الاستعمار الفرنسي الذي بسط سيطرته العسكرية على بلدانها،منتهجا سياسة القمع و التجهيل والتفقير. فتصدت له بكل قوة و حزم، رغم أساليب الترهيب و الترغيب التي طبقها ضدها، من أجل تحجيم دورها أو احتوائها، مثلما حدث مع الأمير شكيب أرسلان والشيخ البشير الإبراهيمي.

مقدمة:

يعد الأمير شكيب أرسلان و الشيخ البشير الإبراهيمي، قطبان من كبار أقطاب الفكر و الإصلاح و الثقافة و الأدب في العالمين العربي و الإسلامي،كرسا حياتهما و جهودهما لخدمة القضايا الكبرى لبلديهما لبنان و الجزائر- على التوالي -،ولأمتهما العربية و الإسلامية،دون أن يغفلا حتى القضايا الإنسانية المشتركة بين كافة الشعوب دون استثناء.بفضل تنشئتهما الاجتماعية الممتازة و تكوينهما التربوي و العلمي السليم،اللذان أهلاهما للقيام بمثل هذه المهمة الصعبة على أكمل وجه.

و لقد اشتركا في نظرتهما " الراديكالية " التي تمقت الاستعمار عامة و الفرنسي خاصة، و تتعدى ذلك إلى محاربته و مقاومته فكريا و ثقافيا و سياسيا و عسكريا. كما كشفا عن وعي سياسي كبير في التعامل مع محاولاته المتكررة لتدجينهما؛ باقناعهما للعمل لصالحه أو على الأقل بتحييد دورهما، رغم الامتيازات المغرية التي كانت تعرض عليهما، لو أنهما استجابا لتلك المحاولات، و انضما إلى قافلة المثقفين و المفكرين و المصلحين و السياسيين، الذين كانت فرنسا تشتري ذممهم و في أسوء الأحوال صمتهم. و قد جهرا برفضهما لذلك الاستدراج المسموم صراحة، و لم يتركا للسلطات أو الإدارة الاستعمارية الفرنسية أية فرصة لتوريطهما، و هو ما سنحاول ابرازه من خلال هذا المقال.

1- التعريف بأرسلان والإبراهيمي:

- التعريف بأرسلان:هو الأمير شكيب ابن الأمير حمود ابن الأمير حسن ابن الأمير يونس ابن الأمير فخر الدين ابن الأمير حيدر ابن الأمير سلمان(1)،من مواليد الخامس و العشرين ديسمبر سنة 1869م بقرية الشويفات(*)(2)، التي تقع إلى الجنوب الغربي من العاصمة اللبنانية بيروت.ينحدر في نسبه من "آل أرسلان" و هم فرع من الطائفة الدرزية،إحدى الطوائف المشكلة للنسيج الاجتماعي اللبناني إلى جانب السنة و الشيعة و الموارنة و الروم و الأرمن ... و غيرهم.

نشأ في كنف عائلة ارستقراطية،يعتز أبناءها بانتمائهم العرقي،و بإمارتهم للأدب والعلم و السياسة منذ قرون،حيث سمح له هذا الجو بالتعلم على يد كبار الأساتذة و العلماء في لبنان و خارجه ابرزهم الشيخ "محمد عبده"(1843م-1905م) (3) .سافر إلى مصر والأستانة و هو لا يزال شابا يافعا،من أجل الاستزادة في التحصيل العلمي،والاحتكاك بكبار رجال العصر من أمثال السيد "جمال الدين الأفغاني"، الأمر الذي ساعده كثيرا في تنمية مداركه العقلية والفكرية السياسية بصفة عامة، و في الوقوف على دسائس الاستعمار وخططه للاستيلاء على بلاد العرب والمسلمين بصفة خاصة (4) .

 شارك سنة 1911م إلى جانب المقاومة الليبية، لصد العدوان الإيطالي على ليبيا(5) .وانظم بعدها للقتال في صفوف القوات العثمانية، في الحرب البلقانية1912م-1914م . و بعد نهاية الحرب العالمية الأولى،استقر في سويسرا التي جعلها مركزا لنشاطاته السياسية و الفكرية في أوروبا و أمريكا، لصالح القضايا العربية و الاسلامية (6)،الأمر الذي جعل الدول الاستعمارية الكبرى و على رأسها فرنسا، تطارده حيثما حل و ارتحل . حقق حلمه بالوفاة على أرض لبنان سنة 1946م،بعد جلاء الجيش الفرنسي عنها في السنة ذاتها (*) .

أما بالنسبة لآثاره، فقد خلف عددا كبيرا من المؤلفات، في مجالات الشعر و الأدب و اللغة و الفكر،و التراث و الترجمة و التاريخ،و الاجتماع و السياسة و السيرة،عرف كثير منها طريقه إلى النشر،و بقي جانب آخر مخطوطا أو مفقودا،و من أشهر تلك المؤلفات كتاب:"لماذا تأخر المسلمون و تقدم غيرهم ؟ "، الذي حلل فيه اوضاع المسلمين المتردية، و ضمنه تصوراته لمعالجتها .

- التعريف بالإبراهيمي: هو محمد البشير الإبراهيمي، بن محمد السعدي، بن عمر بن محمد بن السعدي، بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي، و لد يوم 13 جوان 1889م(7) بقبيلة " أولاد براهم " بقرية " رأس الوادي "(*) بدائرة سطيف، و هي قبيلة عربية النسب تنتمي في أصولها إلى الأدارسة(**)(8).

ترعرع في وسط عائلة جزائرية ذائعة الصيت، توارث أفرادها العلم أبا عن جد منذ أكثر من خمسة قرون(9)، يقصدها طلاب العلم و المعرفة من مختلف أنحاء البلاد، فتتكفل بمستلزمات إيوائهم و تعليمهم، إلى أن يحصلوا على مبتغاهم العلمي و المعرفي(10). هاجر سنة 1911م إلى المشرق العربي، للاستزادة في طلب العلم و المعرفة،و مكث هنالك إلى غاية سنة 1920م(11).

 بعد عودته إلى الجزائر، بذل جهودا كبيرة في التربية و التعليم، و قد كانت فلسفته في تكوين النشئ، ترتكز على تربيته على الأفكار الصحيحة و الأخلاق الحسنة، و عدم التوسع له كثيرا في العلم(12) . كان من الأعضاء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في الخامس من ماي من 1931م، في نادي "الترقي"(*) بمدينة الجزائر،بغرض محاربة الآفات الاجتماعية(13). شارك في المؤتمر الإسلامي الأول سنة 1936م(14)، اختير رئيسا لجمعية العلماء، خلفا للشيخ "عبد الحميد ابن باديس" المتوفى يوم 16 افريل 1940م.

 أقام في المشرق العربي و بعض الدول الإسلامية، خلال الفترة الممتدة ما بين 1952م و 1962م، طلبا للمساعدة من الأشقاء العرب و المسلمين، لدعم النهضة العلمية و الثقافية الناشئة في الجزائر، و لحشد الدعم المادي و المعنوي للثورة التحريرية، مباشرة بعد اندلاعها في أول نوفمبر 1954م(15).

 توفي يوم التاسع عشر ماي 1965م، عن عمر يناهز السادسة و السبعين عاما. ترك الكثير من المقالات و الخطب، و الأحاديث و الدروس و المحاضرات، التي جمعت تحت عنوان: " آثار الشيخ البشير الإبراهيمي"، و هي ذات قيمة أدبية و لغوية و فكرية و سياسية كبيرة(*).

2- موقف السلطات الاستعمارية الفرنسية من شكيب أرسلان :

لقد تميزت العلاقة بين الأمير شكيب والدولة الفرنسية بالخلاف والتوتر ، بسبب مواقفه المعادية للاستعمار الأوروبي من ناحية ، وللسياسة الفرنسية في البلاد العربية والإسلامية من ناحية ثانية . فقد شارك الأمير في الحرب إلى جانب الليبيين ، ضد ايطاليا في حملتها العسكرية على ليبيا سنة 1911م ، وفي حروب البلقان سنة 1912م دفاعا عن الدولة العثمانية .

وفضلا عن ذلك ، فإنه لما اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م ، سارع في إبداء موقفه منها ، بإعلان تأييده للدولة العثمانية ، ضد دول الحلفاء التي كانت فرنسا واحدة منها . وقد بنى موقفه ذاك على كونه كان يعتقد بأن الخلافة العثمانية ؛ رغم ما وصلت إليه من انحلال وضعف ، مازالت تمثل عامل وحدة للعرب والمسلمين ، فحذر في هذا الصدد " الشريف حسين " أمير مكة،الذي تزعم الثورة العربية المناهضة للأتراك ، من الثقة في الإنجليز حلفاء الفرنسيين الذين عقدوا معه حلفا يتم بموجبه التعاون العسكري بينهما ، لطرد الأتراك نهائيا من المشرق العربي قائلا له:(( قل بحرمة جدك ابن الشريف كم عقدا عقده الإنجليز ولم ينقضوه ؟ وكم عهدا أبرموه ولم يجعلوه أنكاثا ؟ أخالك تجهل التاريخ وتكابر في المتواتر من شأنهم الإخلال بالعهود والمواثيق إلى الحد الذي تنكر فيه هذه الحقيقة التي تتجلى في جميع معاملاتهم سواء مع المسلمين أو مع سائر الأمم )) 

وقد جاهر الأمير بموقفه عاليا، رفقة مجموعة من الكتاب العرب، الذين اتخذوا من جريدة " الشرق " بدمشق منبرا لدعوتهم . وأثناء حملة الأتراك على قناة السويس عام 1916م لأجل استرجاعها من الإنجليز ، وجه الكثير من دعوات الجهاد إلى جانب الأتراك  زيادة على ذلك قام بجولات في العديد من القرى اللبنانية، دعا من خلالها إلى التطوع ونصرة الدولة العثمانية، كما شارك بنفسه في الهجوم على القناة تلبية لنداء " جمال باشا " والي الشام آنذاك 

ولما استقر به المقام بألمانيا ، سارعت فرنسا إلى اتهامه بتأييد " جمال باشا " والعثمانيين انطلاقا من "برلين"، كما سعت إلى تشويه صورته لدى اللبنانيين بكافة الطرق والوسائل ومنها : قيامها بحجز باخرتين محملتين بالمؤونة ، أرسلهما المهاجرون اللبنانيون لأهاليهم في لبنان ، وأذاعت بأن السلطات التركية هي التي حجزت الباخرتين بإيعاز من الأمير ، رغم أنه بذل مساع كبيرة لضمان وصولها إلى بيروت.

وقد اعتبر هذه التهمة الملفقة:(( منتهى التزوير والباطل والقحة فحسبه أن فرنسا وبريطانيا هما اللتان منعتا الباخرتين من الوصول إلى هدفهما المحدد، عن طريق القائد الفرنسي في البحر المتوسط، الذي تلقى التعليمات من حكومته. ورغم أن التهمة كانت باطلة من أساسها ، إلا أن فرنسا تمكنت من خلالها أن تستعدي شريحة واسعة من اللبنانيين ، وتؤلبهم ضده 

ازدادت العلاقة بين الأمير وفرنسا توترا ، بعد أن جاهر برفضه واحتجاجه على محاولتها إبعاد بربر المغرب الأقصى عن الدين الإسلامي ، لإصدارها ما يسمى بالظهير البربري ، ودعوته العرب والمسلمين وغيرهم ، للوقوف في وجه تلك الخطوة التي اعتبرها : ((من أفظع ما اعتدي على الإسلام والمسلمين)) ، إذ لم تجابه بشدة وحزم ، ستكون تكرارا لما حدث في الأندلس .

لم تتوقف الاتهامات الفرنسية للأمير عند هذا الحد ، بل أخذت منحى تصعيديا ، إذ وصفه أحد الجنرالات الفرنسيين في الرباط ، بالرجل المأجور لقوى خفية ، ورد عليه الأمير بقوله :(( فليخسأ كما يخسأ الكلب ، أنا لا يشتريني أحد ، ولا أعمل برأي أحد إلا ما يعني لي وأراه من مصلحة ملتي وقومي )

ولقطع الاتصالات بينه وبين الوطنيين المغاربة ، مارست الحكومة الفرنسية ضغوطات كبيرة على نظيرتها الإسبانية، حتى تشدد الرقابة على بريده ، ولما أحس بذلك أخذ يكتب رسائله بأسماء وعناوين مستعارة، فيشير إلى فرنسا على سبيل المثال ب : ((الأم الحنون )) ، والمقيم العام الفرنسي ب : ((القديس)) ... وهكذا. كما منعت كل كتاباته ومقالاته ، وصادرت كل الكتب التي يرد فيها اسمه مهما كانت موضوعاتها، فقد حدث أن قامت بنفي أحد تجار الكتب لأنه وجد بحوزته كتاب له . ناهيك عن الحملات الصحفية، التي كانت تعمل على تشويه صورته واختلاق الأكاذيب والافتراءات عنه؛ كالتساؤل حول حقيقة مصدر الأموال التي كان ينفقها هو وزملائه، أو الزعم بأنه على علاقة بمركز الدعاية الألمانية في الشرق ، واشتغاله كمساعد في تحرير جريدة " الشرق الجديد" (NEW ORIENT)، وتنسيقه مع اللجان الثورية العاملة في " برلين " و" ميونيخ " التي كانت تحت إدارة السلطات الشيوعية في موسكو حسب زعمها 

وقد دفعت هذه المضايقات والمطاردات بالأمير ، إلى أن يزور المغرب الأقصى متنكرا ، حتى لا تعلم السلطات الفرنسية بوجوده ، لكنه لم يكن يدري أنه بمجرد نزوله بمدينة " طنجة " ثم " تطوان " المحتلتان من قبل اسبانيا ، أنه كان تحت مراقبة مخابراتها هنالك ، حيث تمكنت من اكتشاف أمر الزيارة بالرغم من سريتها . وراحت تتابع كل تنقلاته ولقاءاته ، وتعد التقارير بشأنها ، بالتنسيق مع نظيرتها في منطقة الحماية الفرنسية ؛ فعلى سبيل المثال أشارت إحدى تلك التقارير ، أن زيارة الأمير تمر في هدوء ودون تصريح علني . لكن القنصلية الفرنسية العامة في " تطوان " ، ظلت قلقة من زيارته للمدينة ، فعكف أعوانها على تتبع تحركاته بأنفسهم .

ولما رأت السلطات الاسبانية، تزايد الوافدين عليه، والمكرمين له في حفلات رسمية، سلمت له أمرا بالطرد، رغم رفضه له واحتجاجه عليه. ولما وجد إصرارا على ذلك، أبلغ محافظ الشرطة بأنه سيعود إلى اسبانيا بمحض إرادته، وقد فعل ذلك 

هذا بالنسبة لعلاقة الأمير شكيب أرسلان بالمغرب الأقصى ، أما بالنسبة للجزائر فقد كانت له اتصالات ومراسلات مع بعض الشخصيات الإصلاحية : كالشيخ " الطيب العقبي "(1889م-1959م) ، و " أحمد توفيق المدني " ، " الشيخ عبد الحميد بن باديس " ( 1889م – 1940 ) ، " السعيد الزاهري " ، " مبارك الميلي "(1897م-1945م) . كما كانت مجلة " الشهاب " تنشر له من حين لآخر، بعض مقالاته التي تدور حول قضايا العرب والإسلام. أما مع " مصالي الحاج "(1898م-1974م) ، فقد تعود اتصالاته به حسب أحد التقارير الفرنسية إلى سنة 1934م(*)، لتتوثق العلاقات بينهما أكثر أثناء لجوء " مصالي " إلى " جنيف " ، إثر الحكم عليه بالإبعاد في ماي 1935م .

تابع قراءة المزيد من المعلومات المتعلقة بمقالنا هذا في اسفل الصفحة على مربع الاجابة وهي كالتالي موقف السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر من الأمير شكيب أرسلان والإمام البشير الإبراهيمي ومن هو شكيب أرسلان والبشير الابراهيمي 

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
0 إجابة
مرحبًا بك إلى لمحة معرفة، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...