لحظة المناقشة في الكتابة الإنشائية الفلسفية
المنهجية الفلسفية للبكالوريا
لحظة المناقشة في الكتابة الإنشائية الفلسفية
منهجية القيمة الفلسفية للنص
منهجية تحليل نص فلسفي 2019
كيف أناقش نص فلسفي
المنهجية الفلسفية للبكالوريا
حلل وناقش نص فلسفي
منهجية تحليل نص فلسفي آداب
طريقة تحليل سؤال فلسفي
منهجية السؤال الفلسفي 2020
الإجابة هي كالتالي
لحظة المناقشة في الكتابة الإنشائية الفلسفية
تستدعي الكتابة الإنشائية الفلسفية، التي يجد تلامذة البكالوريا أنفسهم مطالبين بممارستها في فروض المراقبة المستمرة والامتحان الوطني، تجييش جملة من القدرات والمهارات العقلية المرتبطة بكل خطواتها، ابتداء من التمهيد للطرح الإشكالي وانتهاء بلحظة صياغة الخلاصة التركيبية.
وسنخصص هذه المقالة لتقديم تأملاتنا وتساؤلاتنا بخصوص لحظة المناقشة، كإحدى اللحظات الأساسية في الكتابة الإنشائية الفلسفية، من أجل التفكير في الصعوبات التي يواجهها التلميذ وهو ينجز هذه اللبنة الضرورية من أجل اكتمال بنيان الإنشاء الفلسفي. ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن الأفعال العقلية المرتبطة بالمناقشة هي سمات أساسية وجوهرية من سمات التفكير الفلسفي، كتفكير يقوم على النقد والمحاججة ومقارعة الأفكار بأفكار أخرى مضادة أو مغايرة. ولذلك، يجد التلميذ نفسه في مواجهة حتمية أمام لحظة المناقشة هاته، سواء تعلق الأمر بصيغة السؤال الإشكالي المفتوح أو بصيغة القولة المذيلة بسؤال، أو بصيغة نص للتحليل والمناقشة.
وهذا الأمر يحتم علينا ضرورة البحث في الكيفية أو الكيفيات التي ينبغي أن تتم من خلالها عملية المناقشة، أثناء التعامل مع الصيغ الثلاث التي يمتحن فيها المترشح في الامتحان الوطني. وسننطلق في ذلك من طرح التساؤلات الرئيسية التالية: ما هي المهارات الأساسية التي تستدعيها لحظة المناقشة في الإنشاء الفلسفي؟ وهل تتم المناقشة بنفس الكيفية إذا ما انتقلنا من صيغة اختبارية إلى أخرى؟ ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف المحتملة بين الصيغ الثلاث، فيما يتعلق بهذه اللحظة بالذات؟
1- لحظة المناقشة في صيغة النص:
من المعروف أن هناك خطوات منهجية أساسية وكبرى تمثل جوانب مشتركة بين الصيغ الثلاث، النص والقولة والسؤال، وتتمثل في أن الكتابة الإنشائية المرتبطة بهذه الصيغ تتم حتما من خلال إنجاز تمهيد لصياغة الإشكال المرتبط بالموضوع، ثم العمل على تحليل مكونات الموضوع من أجل الكشف عن حمولته المعرفية ومنطقه الحجاجي، والمرور أثناء ذلك أو بعده –بحسب كل صيغة على حدة- إلى مناقشة ما تم الكشف عنه انطلاقا من إمكانيات التلميذ الذاتية، معارفه وواقعه المعيش، وأيضا من خلال توظيف أطروحات فلسفية ومعارف متنوعة ملائمة للسياق الذي تتعلق به المناقشة. وبعد كل هذا، تأتي الخطوة الأخيرة المتعلقة بلم شتات الموضوع من خلال كتابة خلاصة تركيبية مركزة تعبر عن النتائج المتوصل إليها.
بيدأن هذا لا يمنع من وجود بعض الخصوصيات التي تتميز بها كل صيغة على حدة، مما ينجم عنه ضرورة الحديث عن بعض الاختلافات في كيفية إنجاز بعض الخطوات السالفة الذكر، أو فيما يخص العلاقات القائمة بينها. وحسبنا أن نركز هنا على ما تعلق منها بلحظة المناقشة، وعلاقتها باللحظة السابقة عليها؛ ونقصد طبعا لحظة التحليل.
وإذا ما ركزنا النظر الآن في المناقشة الخاصة بصيغة النص وعلاقتها بالتحليل، أمكننا القول بادئ ذي بدء بأن التلميذ هنا لا يقوم بعملية المناقشة إلا بعدما ينتهي من تحليل النص. فاللحظتان هنا متتاليتان ولا وجود لتداخل بينهما، عكس ما نجده في صيغة السؤال المفتوح مثلا؛ ولذلك فالتلميذ يكون مطالبا أولا بتحليل النص، من خلال الاشتغال على بنيته المفاهيمية واستخراج أفكاره الجزئية، والكشف عن المنطق الحجاجي الموظف من أجل تدعيم أطروحته الأساسية، ثم يكون مطالبا ثانيا بطرح تساؤلات حول تلك الأطروحة من أجل تبيان قيمتها وحدودها، وجعلها تنفتح على تصورات فلسفية أخرى إما متكاملة أو متعارضة معها. لكن إذا كان التلميذ، أثناء التعامل مع صيغة النص، ينجز التحليل أولا ثم المناقشة ثانيا، فهل يعني ذلك أنهما منفصلتان فعلا، وأن إنجاز المناقشة لا يكون بالعودة إلى تفاصيل لحظة تحليل النص نفسها؟!! ألسنا ملزمين كتلاميذ بمناقشة ما قمنا بتحليله من معطيات مختلفة داخل النص، تتعلق بمفاهيمه وأفكاره وطبيعة الحجج الموظفة فيه؟ وهل فعلا أن ما يجب القيام به –وهذا ما تعتقده الغالبية العظمى من التلاميذ- هو فقط مناقشة الأطروحة العامة للنص، دون مناقشة تفاصيله وجزئياته!؟ وهل تسعفنا المعلومات التي نعرفها عن الفلاسفة، والمستمدة أساسا من الملخصات المتعلقة بالدروس، في مناقشة الجزئيات المرتبطة بأي نص فلسفي؟ ألسنا مضطرين في ذلك إلى ممارسة سياسة "لي العنق" لاستنطاق الفلاسفة وإرغامهم على الخوض في مناقشة الأفكار الواردة في النص، والحجج الموظفة فيه؟ وإذا ما فشل التلميذ في القيام بعملية "لي العنق" هاته، ألا يكون مضطرا لتجييش معارفه الخاصة وتجاربه الحياتية من أجل مناقشة معطيات النص بشكل ذاتي؟
إن طرح هذه التساؤلات يجعلنا نقف عند المفاصل الأساسية التي تطرح مجموعة من التحديات والصعوبات أمام تلامذتنا، فيما يخص إنجاز مناقشتهم للنص الفلسفي في الكتابة الإنشائية الفلسفية. وهو أمر يستدعي منا القيام بنوع من المقاربة الميكروسكوبية للكشف عن الأفعال العقلية والقدرات التفكيرية والإجراءات المختلفة التي تتم داخل لحظة المناقشة، المتعلقة بصيغة النص. وأول ما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق، هو أن مناقشة النص لا تكون فقط بالجملة بل أيضا بالتقسيط؛ فلا يمكن إنجاز لحظة المناقشة في الإنشاء الفلسفي، بالشكل المطلوب، إذا ما اقتصرنا فقط على مناقشة الأطروحة العامة للنص، بل لا بد من مناقشة أيضا الجزئيات المرتبطة بها داخل سياق النص؛ ويتعلق الأمر أساسا بالمفاهيم التي وظفت للتعبير عن تلك الأطروحة، وبالأفكار الجزئية التي تنتظم داخلها، وبطبيعة الحجج التي استخدمت لإقناعنا بصحتها. ومن شأن قيام التلميذ بمناقشة كل هذه التفاصيل المؤثثة لفضاء النص، أن يغني مناقشته له ويمنحها الدسامة الفلسفية التي هي مؤشر على جودتها وتميزها.
فإذا كان صاحب النص قد وظف مفاهيم فلسفية ونسج علاقات ممكنة بينها من أجل صياغة أفكاره وأطروحته الرئيسية، فبإمكان التلميذ –في إطار استراتيجية المناقشة- أن يختلف مع صاحب النص حول تعريفه لهذا المفهوم أو ذاك، أو حول طبيعة العلاقة التي أقامها الفيلسوف بين مفهومين أو أكثر؛ وذلك باستحضار تعاريف أخرى لفلاسفة آخرين لنفس تلك المفاهيم، أو بإقامة علاقات مغايرة بينها انطلاقا مما يمكن أن نجده لدى الفلاسفة، أو ما يمكن أن نستمده من وقائع الحياة وتجاربها. وهذا ما يمكن أن ننعته بالمناقشة المفاهيمية للنص.
وحينما نكون بصدد إنجاز هذه المناقشة المفاهيمية، فإننا نجد أنفسنا حتما نناقش الأفكار الجزئية للنص، لأن الأفكار الفلسفية لا تعدو أن تكون ربطا بين مجموعة من المفاهيم. ولعل مثل هذا الأمر هو الذي جعل فيلسوفا كجيل دولوز يعتبر أن الفلسفة هي فن ابتكار المفاهيم. وهنا لا بد من التأكيد بأن المطلوب من التلميذ ليس هو فقط مناقشة الأطروحة العامة للنص، بل ومناقشة أيضا أفكاره الجزئية. ولذلك يتعين إجراء حوارات متعددة بين التلميذ وصاحب النص من جهة، وذلك من أجل تجسيد التفكير الذاتي الذي هو أحد عناصر الجودة الأساسية في الكتابة الإنشائية الفلسفية، وبين الفلاسفة وصاحب النص من جهة أخرى. وإذا كنا مطالبين بمناقشة جزئيات النص، المتعلقة بمفاهيمه وأفكاره وحججه، فإن استحضار هذا الفيلسوف أو ذاك لا يكون إلا بمناسبة وقوفنا على هذا المعطى الجزئي أو ذاك في النص؛ بمعنى أننا لا نستدعي فيلسوفا ما أثناء المناقشة إلا بمناسبة مناقشتنا الذاتية لإحدى معطيات النص. ولذلك فنحن لا نوظف من معطيات الملخص، أو من المعلومات التي نعرفها عن الفيلسوف، إلا ما يسعفنا في مناقشة ما هو موجود فعليا في النص. وهنا لا بد من ممارسة سياسة الانتقاء الذكي للمعلومات والمعارف التي تصلح أكثر من غيرها لمناقشة النص. ولذلك، يرتكب التلاميذ خطأ فادحا حينما يهرعون إلى التصورات أو الأطروحات الموجودة في الملخصات، وينسخونها ثم يلصقونها بمواضيعهم الإنشائية دون عملية فرز وانتقاء، ودون النظر في طبيعة ملاءمتها أو عدم ملاءمتها للمعطيات الحقيقية التي نجدها في النص. وهذا ما ينجم عنه طبعا إنشاء يغلب عليه طابع الحفظ والاستظهار ومراكمة المعلومات دون ممارسة تفكير فلسفي جدير بهذا الاسم؛ تفكير يقوم على المساءلة والنقد والتفكيك وتقليب معطيات النص على كافة أوجهها المحتملة.
وهكذا فالمناقشة المتعلقة بالنص لا تعني –كما يفهم الكثير من التلاميذ عن غير صواب- استحضار مواقف الفلاسفة من الدرس، وكتابة تلك المواقف بشكل حرفي وآلي في الموضوع الإنشائي. والسبب في ذلك يعود إلى جملة من الأسباب، من أهمها أنه ليس بالضرورة أن يكون الإشكال المطروح في النص هو نفسه الموجود في الدرس!! ولذلك، يتعين على الفلاسفة الذين نستحضرهم أن يجيبونا عن إشكال من طبيعة خاصة، وليس عن الإشكال الذي طرحناه عليهم في محور الدرس. وهنا يكون التلميذ مجبرا على تقديم اجتهاده الخاص في قراءة تصورات الفلاسفة كما هي موجودة في الملخص، من أجل استنطاقها و"لي عنقها" في أفق البحث عن أفكار محتملة موجودة فيها، وتسعفنا في القيام بمناقشة حقيقية لما هو موجود فعليا في النص. فالنصوص الفلسفية التي تطرح كمواضيع اختبارية تفاجئنا دوما، كما أكدت التجربة على ذلك، بمعطيات جديدة تتعلق سواء بطبيعة الإشكال الكامن فيها، أو بطبيعة أفكارها وآلياتها الحجاجية. ولذلك، فالتلميذ مطالب بالتعامل معها ابتداء ودون القيام بإسقاطات قبلية، لأن من شأن هذه الإسقاطات المستمدة مما هو جاهز وموجود في الملخصات أن تضعف خصوصية النص وتقوم بتمييع المناقشة وتسطيحها، وإخراجها عن المسار الحقيقي الذي كان ينبغي أن تسلكه.
وإذا كنا قد تحدثنا عن "مناقشة مفاهيمية" للنص، فيمكننا الحديث أيضا عن "مناقشة حجاجية" له؛ ونعني بها مناقشة التلميذ، شخصيا أو بتوظيف مواقف فلسفية، لطبيعة الحجج الواردة في النص، وذلك بتبيان مدى قوتها وتماسكها أو ضعفها وهشاشتها، في ارتباطها طبعا بالأفكار التي جاءت لتعزيزها أو دحضها داخل سياق النص. فمساءلة الحجج الواردة في النص ونقدها، هو إجراء مهم لإغناء عملية المناقشة وفتحها على آفاق رحبة ومتعددة. وهذا يعني أن المناقشة لا تنصب فقط على أطروحة النص، بل على مفاهيمه وحججه وأفكاره الجزئية. ويمكن هنا أن نستدعي فيلسوفا ما لمناقشة فقط فكرة واحدة موجودة في النص، كما يمكن استدعاء آخر لتقديم حجة مضادة لحجة واردة في النص، واستدعاء ثالث من أجل تقديم تصور لعلاقة بين مفهومين مغايرة لتلك التي نسجها النص بينهما، وهكذا دواليك. وإذا لم تسعف مواقف الفلاسفة التلميذ في مناقشة إحدى المعطيات الواردة في النص، فإنه يتعين عليه أن يجند إمكانياته الذاتية وتجاربه الخاصة، من أجل وضعها موضع نقاش ومساءلة. وهو مطالب أثناء ذلك بالدخول في عملية محاججة مع صاحب النص، وذلك بتقديم حجج بديلة لتلك الواردة في النص في حالة عدم اقتناعه بها، أو تعزيزها بحجج إضافية في حالة الموافقة عليها وحصول اقتناع بها. ولعل هذا هو عين ما ينعت عادة "بالمناقشة الداخلية" للنص. ونحن نفضل تسميتها "بالمناقشة الذاتية" بدل "الداخلية"؛ فهي ذاتية لأنها نابعة من ذات التلميذ وقدراته الخاصة، وهي وإن كانت تتعلق "بداخل النص" فإن التلميذ يوظف فيها معارف من "خارج" النص. كما أن ما يسمى عادة "بالمناقشة الخارجية" هي أيضا "مناقشة داخلية"، لأنها ستكون بدون قيمة إذا لم تنصب على ما يوجد فعليا "بداخل" النص من معطيات متعددة أوضحناها أعلاه.
تابع القراءة في الأسفل