مجزوءة السياسة ملخص مفهوم الحق والعدل في الفلسفة
ملخص الحق والعدل
المفهوم الثاني: الحق والعدل
مرحباً بكم طلاب وطالبات في موقع لمحة معرفة التعليمي يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم ملخص مفهوم الحق والعدل في الفلسفة
الإجابة هي
تقديم مفهوم الحق والعدل:
عرفت المجتمعات الإنسانية منذ القِدَم مشكلةَ توزيع الموارد والثروات التي تتميز طبيعيا بالندرة. فالواقع الإنساني موضوعٌ لنزاعٍ حَادٍّ يدور حول كيفية تقسيم ما يتم إنتاجه ومُراكمته من خيرات على مستوى مجتمع ما أو حتى على مستوى العالم كله، تقسيم يُمَكِّن من حفظ "النصيب الواجب" لكل طرف على نحو يسمح بالحديث عن نوع من "الحق" الذي ليس مجرد إقرار لواقع التفاوت على أساس القوة أو الامتياز، بل بالاستناد إلى قيم ومعايير تتجاوز ما هو اعتباطي وتفرض نفسها كمبادئ وأصول لإقامة "العدل" الذي يجعل كل طرف يحظى بما يستحق على الوجه الذي يليق بكرامة الإنسان بما هو كائن عاقل له القدرة على بلورة سيرورة للتحكم في فاعليته على نحو قاصد وناجع.
الوضعية-المشكلة:
يرتبط "الحق" و"العدل" بِنَسقِ القيم والمعايير الذي يضبط العلاقات التفاعلية في مجتمع ما خلال فترة محددة، من حيث إنها علاقات قائمة على النزاع والتنافس بخصوص توزيع الخيرات التي تكون مَحَطَّ اهتمام أعضاء المجتمع. فكيف يتحدد "الحق"؟ هل يقوم على أساس ما هو طبيعي في الوجود الإنساني أم على أساس ما هو وضعي فيه؟ وما العلاقة القائمة بين "الحق" و"العدل"؟ أيهما يُقَوِّم الآخر؟ هل "الحق" هو الذي يُمثِّلُ أساس "العدل" أم العكس؟ وكيف يتحدد "العدل" في واقع الحياة؟ هل هو "مساواة" قائمة على التوزيع العام والمجرد أم أنه "إنصاف" يأخذ بما تقتضيه كل حالة فردية من معاملة خاصة؟
1- الحق بين الطبيعي والوضعي:
* تحديد الإطار الإشكالي: ما هو الأساس الذي يقوم عليه "الحق"؟ هل هو طبيعي يتمثل في ما هو مشتركـ وثابت بين الناس أم أنه وضعي يرتبط بما هو متعدد ومتغير في الحياة الإنسانية؟ هل "الحق" ثابت ومطلق أم أنه متغير ونسبي؟
أطروحة جان جاك روسو أطروحة توماس هوبس
يميز جان جاك روسو بين حالة الطبيعة التي يخضع فيها الأفراد لأهوائهم و رغباتهم بحيث تطغى عليهم الأنانية و الذاتية و يحتكمون إلى قوتهم ، و بين حالة التمدن التي يمتثل فيها الأفراد لتوجيهات العقل و يحتكمون إلى القوانين و التشريعات في إطار عقد اجتماعي يساهم الفرد في تأسيسه و يلتزم باحترامه و طاعته و يمارس حريته في ظله.
إذن فالعقد الاجتماعي يجسد الإرادة العامة التي تعلو على كل الإرادات الفردية، فالامتثال و الخضوع للعقد الاجتماعي هو خضوع للإرادة الجماعية التي تحقق العدل و المساواة و تضمن الحقوق الطبيعية للأفراد و بذلك فالامتثال للقوانين التي شرعها العقد لا تتعارض مع حرية الفرد مادام العقد الاجتماعي هو تجسيد لإرادة الأفراد. يؤكد طوماس هوبس أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي و تتعارض مع الحق الطبيعي لأن الحق الطبيعي يحتكم إلى القوة و يخضع لتوجيهات الغريزة و الأهواء مما يجعله حقا يقوم على الحرية المطلقة التي تبيح للفرد القيام بكل ما من شأنه أن يحفظ حياته (العدوان،العنف،الظلم) أما الحق الوضعي فهو حق يحتكم إلى القوانين و التشريعات المتعاقد عليها و يخضع لتوجيهات العقل مما يجعله يحد من الحرية المطلقة لكنه يضمن حقوق الأفراد و يحقق العدل و المساواة،وبذلك يخلص هوبس إلى أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي القانوني أي بالحرية المقننة بالقوانين و التشريعات و تتعارض مع الحرية المطلقة التي تستند إلى القوة و الغريزة.
تركيب واستنتاج:
يقوم "الحق الطبيعي" على ما هو طبيعي في الإنسان، باعتباره أساسا مشتركا بين كل الناس، وذلكـ بمقتضى ما أودعته الطبيعة في ذات الإنسان من كرامة تجعل الإنسان بفطرته كائنا حرا وفاعلا. لكن كون "الحق الطبيعي" يستـند إلى طبيعة الإنسان (كمعطى جوهري ومطلق يتجاوز كل تحديد اجتماعي أو تاريخي) يقود إلى النظر في "الحق الوضعي" كما يتجسد في الواقع الفعلي، حيث لا يتم تعيين الحقوق إلا انطلاقا منه، الأمر الذي يُؤكِّد أن "الحق" لا يتحدد معناه إلا من خلال شروط اجتماعية وتاريخية متعددة ومتغيرة حسب المجتمعات والعصور. لكن الكونية التي توجد في "الحق الطبيعي" هي التي تُؤسِّسُ إمكان التمييز بين حق وآخر، ومن ثم فهي تتحدد كمعيار كلي وعام للحكم على "الحق الوضعي".
2- العدل كأساس للحق:
* تحديد الإطار الإشكالي: ما علاقة "الحق" بـ"العدل"؟ أيهما يؤسس الآخر؟ هل "العدل" كواقع قائم في مؤسسات وقوانين هو أساس "الحق" كمَثَل أعلى أم أن "الحق" في معياريته وكليته هو الذي يُمثِّل أساس "العدل" في جزئيته ونسبيته؟
أطروحة أرسطو أطروحة فريدريك فون هايك
يرى أرسطو (384-322 ق.م [Aristote]) أن "العدل" في تضاده مع "الظلم" يتميز بكونه "التصرف في حدود القانون على النحو الذي يؤدي إلى حفظ حقوق الغير"، مما يجعل "الظلم" يتحدد كسلوكـ يُنافي القانون والمساواة، حيث إن الظالم يتصرف ضد القوانين. ومن هنا، فإن كل الأفعال المُوافِقة للقانون تُعَدُّ أفعالا عادلة. فالقوانين تضبط الأفعال بهدف حماية المصلحة العامة ومصلحة أولياء الأمور طبق ما تُوجبه الفضيلة. وهكذا فـ«الفعل العادل هو الفعل القادر، كليا أو جزئيا، على إيجاد أو حماية سعادة الجماعة السياسية» ؛ الأمر الذي يجعل "العدل" فضيلة كاملة، بل أهم الفضائل قاطبة، من حيث إنه أساس ضمان "الحق"، إنه أروع من كل شيء آخر. يؤكد فريدريكـ هايكـ (1889-1992 [Friedrich Hayek]) أن العدالة الاجتماعية أو التوزيعية لا يكون لها معنى إلا على أساس الشرعية القانونية، وليس معنى هذا أن كل قواعد السلوكـ العادل القائمة في المجتمعات تُعَدُّ قواعد قانونية ولا أن كل قانون يستند بالضرورة إلى قواعد السلوكـ العادل، وإنما هو أن القانون المرتكز إلى قواعد العدالة يكون له مقام استثنائي، بحيث إنه هو وحده الذي يُلْزِم المواطنين ويفرض نفسه على الجميع في مجتمع حر.
3- العدل بين المساواة والإنصاف
* تحديد الإطار الإشكالي: كيف يتحدد "العدل" في الواقع؟ هل هو "مساواة" قائمة على التوزيع العام والمجرد أم أنه "إنصاف" يأخذ بما تقتضيه كل حالة فردية من معاملة خاصة؟
أطروحة ماكس شيلر أطروحة أفلاطون
يرى ماكس شيلر (1874-1928 [M.sheller]) أن اعتبار العدالة كمساواة كاملة بين الناس في كل شيء يجعلها جائرة، لأنها تُؤدِّي إلى خَفْض الأشخاص المحظوظين إلى مستوى المحرومين الذين يوجدون في أسفل السُّلَّم. لذا، يجب النظر إلى العدالة كإنصاف يراعي الاختلافات والفروق بين الناس من حيث إنهم يتفاوتون فيما بينهم على أكثر من مستوى، مما يجعل المساواة المنشودة تُعبِّر في الواقع عن نوع من الحقد تجاه القيم العليا.
يذهب أفلاطون إلى أن "العدالة" تتحدد، أولا، كـ"اعتدال" أو انسجام بين قُوَى النفس (الناطقة، الشهوانية، الغضبية) يُؤدي إلى الفضائل الثلاث: الحكمة، العِفَّة، الشجاعة. غير أن هذه الفضائل لا يُمكن أن تتحقق إلا على أساس قيام فضيلة رابعة هي "العدالة" التي تتمثل في انصراف كل واحد إلى فعل ما عليه القيام به وفق ما زودته الطبيعة به من قدرات. وتُعَدُّ هذه الفضيلة أعظم أسباب الكمال في "المدينة" أو "الدولة"، لأنها تجعل كل واحد (من الأطفال والنساء والعبيد والأحرار والصُّنَّاع والحاكمين والمحكومين) يؤدي عمله دون أن يتدخل في عمل الآخرين. فـ"العدالة"، إذًا، اعتدالٌ بين قُوَى المجتمع يجعل الاعتدال بين قُوَى النفس ممكنا.
تركيب واستنتاج:
تُعتبَر العدالة مساواةً بين الناس في الحقوق والواجبات. لكن إقرار العدالة كمبدأ لتوزيع الخيرات في المجتمع يحتاج إلى النظر في الأوضاع الخاصة بمختلف الفئات بموجب قاعدة "الإنصاف" التي تُمَكِّن المحرومين من الاستفادة من الخيرات ولا تضع عوائق أمام المحظوظين ذوي الامتيازات، وذلكـ على النحو الذي يُؤدِّي إلى تعاون الجميع لبناء العدالة كنظام اجتماعي مُنْصفٍ يضمن مصلحة كل الأفراد والجماعات في إطار نظام ديموقراطي عادل.