العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
مرحبا بكم زوارنا الأعزاء يسعدناأن أرحب بكم في موقع لمحه معرفة الجديد. حيث نضع لكم الحل الوحيد الصحيحة عن الأسئلة المطروحة في موقعنا
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الإجابة هي كالتالي
أشكلت علي قاعدة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " فقد وجدت عند شراحها أنهم قصدوا شيئا أشبه بالقياس ( كآيات الظهار ) . لكن أری أن مشايخنا يستخدمونها بعيدا عن هذا فيستخدمون مثلا قوله عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) في مواضع النهي عن البدعة ، بينما الآية تختص بالغنائم . وقوله : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة ) في أمور عامة ، بينما التهلكة المرادة في الآية هي ترك الجهاد والأمثلة في هذا كثيرة .
الحمد لله.
نص الأصوليون والفقهاء على قاعدة هامة ، وهي أن " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " وهذه القاعدة متفق عليها عند جماهير أهل العلم ولم يخالف فيها إلا القليل .
جاء في " المحصول " للرازي (3/125) :
" فالحق أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , خلافا للمزني وأبي ثور ؛ فإنهما زعما أن خصوص السبب يكون مخصصا لعموم اللفظ " انتهى .
لكن إن كان اللفظ العام قد ورد على سبب خاص ، فإن دلالته على خصوص السبب تكون قطعية , فلا يجوز إخراج السبب عن عموم اللفظ , جاء في " المسودة في أصول الفقه " (1/ 132) : " إذا ثبت أنه يؤخذ بعموم اللفظ ، ولا يقصر على خصوص السبب ، فإنه لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص ، فتكون دلالته عليه قطعا " انتهى .
وهذه القاعدة التي سألت عنها هي من القواعد المهمة , وعدم اعتبارها يؤدي إلى هدم كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة , خذ مثلا قوله تعالى : ( إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) ، فقد نزلت هذه الآية ، فيما ذكره جمع من المفسرين في فتح مكة ، عندما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة ثم رده عليه .
جاء في " تفسير ابن كثير " (2/340) :
" ( إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) قال : نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه المفتاح ، قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك " انتهى .
فهل يقال : إن العبرة هنا بخصوص السبب ، وأنه لا يجوز الاستدلال بالآية الكريمة على أداء كل أمانة من الأمانات , وهل هذا إلا هدم واضح لنصوص الوحي المعصوم ؟ .
لكن هناك أمران ينبغي ملاحظتهما عند تطبيق هذه القاعدة :
الأول : أنه يفرق بين ورود العام على سبب خاص ، فإن ذلك لا يخصصه على الصحيح , وبين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام فإن ذلك يخصصه , وقد نبه على ذلك العلامة ابن دقيق العيد رحمه ، فيما نقله عنه تاج الدين السبكي رحمه الله ، فقال : " يجب أن يتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم , وبين ورود العام على سبب ، ولا تجري مجرى واحد , فإن مجرد ورود العام على سبب لا يخصصه ، وأما السياق والقرائن فإنها الدالة على المراد ، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات . قال : فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصي , وانظر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس من البر الصيام في السفر ) من أي من القبيلين هو منزله عليه " ، قلت [ أي السبكي ] : ومن النظر إلي السياق : ما في " فروع الطلاق " من " الرافعي " : أنه لو قال لزوجته : إن علمت من أختي شيئًا ، ولم تقوليه : فأنت طالق . فتنصرف إلى ما يوجب ريبة , ويوهم فاحشة ، دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشراب " انتهى من " الأشباه والنظائر " للسبكي (2/135) .
الثاني : أن اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فيما إذا لم يكن هناك معارض , أما إذا وجد معارض ، فينبغي حمل اللفظ على خصوص السبب , وفي ذلك يقول السبكي رحمه الله تعالى في " الأشباه والنظائر " (2/136) : " إذا عرفت أن الأرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فلا نعتقد أن ينسحب العموم في كل ما ورد وصدر ؛ بل إنما نعمم حيث لا معارض .
وفي المعارض أمثلة : منها : حديث النهي عن قتل النساء والصبيان ، أخذ أبو حنيفة بعمومه وقال : المرأة المرتدة لا تقتل ، وخصصناه نحن بسببه = فإنه ورد في امرأة مقتولة مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان = لحديث : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وغيره من الأدلة .
ومنها : حديث أنس رضي الله عنه : ( ليس من البر الصيام في السفر ) : ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد ، وقد تقدم الكلام فيه " انتهى .
ثم اختتم السبكي رحمه الله الكلام على هذه القاعدة بتنبيه يوضح محل الوفاق ومحل الخلاف في اعتبار هذه القاعدة ، فقال " تنبيه : قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والخلاف في ذلك : إذا لم تكن هناك قرينة تعميم ، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور ، بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف " انتهى من " الأشباه والنظائر " (2/136) .
من هنا يتضح أن استدلال أهل العلم بقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7 على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمر , وترك ما نهى عنه في كل نهي – ومن ذلك البدعة – استدلال في محله ، ولا يتعارض هذا مع كون الآية وردت في خصوص الفيء .
وكذلك استدلالهم بقوله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة /195 على النهي عن إيراد النفس موارد الهلكة والعطب استدلال في محله ، وإن كانت التهلكة المقصود في الآية هي ترك الجهاد وعدم بذل المال في سبيل الله تعالى , وإلا فهل يقول عاقل ، فضلا عن عالم إن ترك النفقة والجهاد إلقاء بالنفس في التهلكة منهي عنه في الآية الكريمة , وأما ركوب البحر وقت هياجه مع عدم أخذ الأسباب ، أو التردي من شاهق = ليس من قبيل الإلقاء بالنفس في التهلكة ، ولا يدخل تحت عموم الآية الكريمة ؟! هذا مما لا يتصور .
والله أعلم .